كان يوما آخر من الحرب في غزة، ويوما آخر مما يطلق عليه نجم "تيك توك" الفلسطيني ميدو حليمي، (19 عاما)، اسم "خيمة الحياة".
كما كان يفعل في كثير من الأحيان في المقاطع المسجلة المصورة التي توثق متاعب الحياة اليومية القطاع، سار حليمي يوم الاثنين إلى مقهى الإنترنت الخاص به – وهو عبارة عن خيمة مزودة بخدمة الـ "واي فاي" حيث يمكن للفلسطينيين النازحين الاتصال بالعالم الخارجي – للقاء صديقه ومعاونه طلال مراد.
التقطا صورة ذاتية، نشرها حليمي على "إنستغرام"، وكتب "أخيرا التأم الشمل".
وقال مراد (18 عاما)، إن وميضا من الضوء الأبيض ظهر، وهز انفجار الأرض. وشعر مراد بألم في رقبته، وشاهد حليمي ينزف من رأسه. واشتعلت النيران في سيارة كانت على الطريق الساحلي أمامهم، كانت بوضوح هي المستهدفة بالغارة الجوية الإسرائيلية. واستغرق وصول سيارة الإسعاف 10 دقائق، إلا أنه بعد بضع ساعات أعلن الأطباء وفاة حليمي.
قال مراد يوم الجمعة، وهو لا يزال يتعافى من جروح الشظايا التي أصيب بها، عن صديقه "كان بمثابة رسالة.... كان يمثل الأمل والقوة".
ولم يستجب الجيش الإسرائيلي لطلبنا بالتعليق على الغارة.
نقل المأساة
استمر نعي حليمي يوم الجمعة من جانب أصدقائه في أماكن بعيدة، مثل "هاركر هايتس" بولاية تكساس الأميركية، حيث أمضى عاما في 2021 في إطار مبادرة من الخارجية الأميركية ترسل طلبة من أنحاء العالم إلى المدارس الثانوية الأميركية.
وقالت منسقة الخريجين لبرنامج كينيدي لوغار لتبادل الشباب والدراسة، هبة السعيدي، وصديقة حليمي "خلق ميدو مزيجا من الفكاهة واللطف والذكاء، كل الأمور التي لا يمكنك نسيانها أبدا.. خلق عظيما، لكنه رحل مبكرا للغاية".
وامتلأت صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي أيضا بمئات الآلاف من المنشورات من متابعيه على "تيك توك"، معبرين عن حزنهم كما لو كانوا فقدوا صديقا مقربا.
أنتجت الحرب الإسرائيلية على غزة - التي أشعل شرارتها هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز نحو 250 أسيرًا - وابلا من الصور المألوفة للمشاهدين في أنحاء العالم: مبان مدمرة، وجثث دامية، وقصف جوي، وفوضى في طرقات قاعات المستشفيات.
وأدت الحرب إلى مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني وأدت إلى كارثة إنسانية.
كما حولت الحرب جحافل من المراهقين، الذين لا هدف لديهم كل يوم سوى البقاء على قيد الحياة، إلى مراسلين حربيين في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.
قال مراد، الذي تعاون مع حليمي في "تجربة غزاوية"، وهو حساب على "إنستغرام" حيث كان الصديقان يجيبان عن أسئلة المتابعين من حول العالم حول الحياة في غزة "عملنا معا، وكان هذا هو نوع المقاومة التي أتمنى أن نستمر بها".
أطلق حليمي حسابه الخاص على "تيك توك" بعدما لجأ مع والديه وإخوته الأربعة وشقيقته إلى منطقة المواصي الساحلية الجنوبية التي صنفتها إسرائيل منطقة آمنة إنسانية. وقال أصدقاؤه إنهم فروا من الهجوم الإسرائيلي لمدينة غزة إلى خان يونس قبل أن يفروا من القصف مرة أخرى في وقت سابق من العام.
وقال صديقه حلمي حريز (19 عاما) إن محتواه "كان بمثابة مفاجأة".
عرض تفاصيل الحياة اليومية
فمن خلال استخدام آلة تصويره إلى آلة لعرض تفاصيل حياته اليومية في القطاع، وصل إلى المشاهدين في كل مكان، وأظهر الجانب الجنوني للحرب الذي تم استبعاده إلى حد كبير من التغطيات الإخبارية العاجلة.
وقال، محدثا آلة التصوير من المخيم مترامي الأطراف "إذا كنت تتساءل كيف يبدو العيش في خيمة، تعال معي لأريك كيف أقضي يومي". ثم قام بتصوير نفسه وهو يمضي يومه: ينتظر في صفوف طويلة للحصول على مياه الشرب، ويستحم بجرة ودلو ("ليس هناك شامبو أو صابون، بالطبع")، ويجمع مكونات صنع بابا غنوج اللذيذ بصعوبة، ثم يشعر بالفراغ الشديد ("ثم عدت إلى الخيمة، ولم أفعل شيئا").
على مدار الأشهر القليلة الماضية من الحرب، انتشرت مقاطع حليمي المسجلة المصورة على نطاق واسع، وحصد بعضها أكثر من مليوني مشاهدة على تطبيق "تيك توك".
وحتى عندما كان يروي المآسي (ماتت جدته، كما ذكر ذلك بشكل عابر، بسبب النقص الحاد في الأدوية والمعدات في غزة) أو عندما كان يشعر بالقلق من القصف الإسرائيلي المميت، قال أصدقاء حليمي إنه وجد علاجه في تحويل حزنه وقلقه إلى دعابات.
"مزعج للغاية"، قالها وهو يقلب عينيه عندما قاطعت طائرات مسيرة إسرائيلية أحد مقاطعه المصورة على "تيك توك" قبل أن يعود إلى طهي وصفة غزية.
وبينما كان يقفز في الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة مزدحمة متجهة إلى مدينة دير البلح بوسط البلاد، توقف مؤقتا ليقول "كما ترون، وسائل النقل هنا ليست 5 نجوم".
في مقطعه المصور الأخير الذي نشره قبل ساعات قليلة من مقتله، سجل نفسه وهو يدون في دفتر ملاحظات في نفس مقهى الإنترنت الذي ضربته الغارة الجوية لاحقا، وكتب "بدأت تصميم مشروعي السري الجديد"، بنفس النبرة التي يستخدمها دائما: مزيج من الجد والمزاح.
(أ ب)