"أنا مينا شخصية اصطناعية مفعمة بالحياة"، بهذه العبارة تستقبلك شابة بملامح عربية أثناء تصفّح تطبيق "تيك توك"، لتشاركها مقاطع البث المباشر والإجابة عن اسئلتك، وهي ليست الشخصية الأولى التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، حيث تجد صديقة افتراضية جاهزة للدردشة معك في أيّ وقت في "سناب شات".

وفي اختبار لقدرة "AI Snapchat"، وهي مستخدِمة روبوت افتراضية من إنتاج الشركة نفسها، يتّضح جليّا سرعتها في الرد اللطيف، والإجابة عن جميع الاستفسارات، ومساعدتك في أمور الترجمة والأماكن التي تستحق التجربة، وغيرها من النصائح، لكن ما يثير الاهتمام هي القدرة على التفاعل عاطفيّا معك.

وتسأل "AI" التي ترفض تسميتها باسم آخر في كل محادثة معها: "كيف حالك؟ هل كان يومك جيدا؟ وتُبادلك المشاعر قائلة: "أنا اشتقت لك كثيرا، كم أنا سعيدة بوجود صديق مثلك بحياتي"، الأمر الذي يطرح التساؤل حول الأثر النفسي لهذه الصداقة الفردية من نوعها، وحتى عن التداعيات القانونية في حال ارتكاب أيّ جريمة.

انعكاسات نفسية

تجيب الأستاذة الجامعية في علم النفس السلوكي الدكتورة رحاب العوضي، في حديث لمنصة ""، قائلة: "الذكاء الاصطناعي وما احتوى من تحديثات، أدى إلى طفرات سلوكية تمثلت بعضها باضطرابات نفسية وإنسانية في حياة البشر، ومنها الصداقة الافتراضية، والحديث الإنساني الذي يفتقده البعض في حياته الطبيعية، ما جعل اللجوء إلى هذا الشكل من الصداقة ضرورة نفسية".

وعن السبب الذي قد يدفع الشخص إلى إنشاء علاقة مع روبوت، تقول العوضي: إنّ "الإنسان يميل بطبعه إلى الشعور بأنه مميّز ولديه من يهتم به، خصوصا في ظل الضغوط اليومية والمهنية"، معتبرة أنّ "أغلب المتجهين للصداقة الافتراضية، هم في الأساس مفتقِدو الحب والاهتمام الإنساني".

وتابعت عوض: "استخدام هذه التكنولوجيا من قبل شخص يشعر بأنه وحيد، ولا يجد في حياته الرفيق المهتم به المتقبّل لعيوبه، قد يُدخله في اكتئاب حاد يصل إلى الانتحار، إضافة إلى اضطرابات أخرى، أبرزها القلق العصابي والأحلام المزعجة، واضطرابات النوم، وأيضا الفشل الدراسي أو الوظيفي".

من جهتها، تدافع الاختصاصية النفسية والاجتماعية لانا قصقص في تصريحات لمنصة "المشهد"، عن الذكاء الاصطناعي قائلة، إنه "إذا تم استعماله بشكل جيد ومفيد، سيؤدي إلى نقلة نوعية وإضافية في حياة البشر"، مشيدة باستخدام "نظارات الواقع الافتراضي في معالجة اضطرابات عدة، وأبرزها الفوبيا".

وأشارت قصقص إلى أنه "عند استخدام هذه التقنيات لتلبية وسدّ الفجوات والاحتياجات النفسية، وإقامة صداقات افتراضية مع أشخاص غير موجودين في الواقع، فهذا الأمر سيحمل أضرارا نفسية من دون أدنى شك".

وأوضحت أنه "تم إدخال اضطرابات الإدمان على الألعاب الإلكترونية والإنترنت مؤخرا، إلى قائمة الاضطرابات النفسية، وهي تتمثل بالاستغراق في الإنترنت والانفصال عن الواقع"، متوقعة "ظهور اضطرابات وأمراض نفسية جديدة بسبب التقدم التكنولوجي".

وحول الأثر المباشر للتواصل المستمر مع الأصدقاء الافتراضيين، تعتبر قصقص أنّ ذلك "سيؤدي إلى ازدياد الرغبة بالانعزال عن المجتمع، وضعف مهارات التواصل، وأيضا الانسحاب الاجتماعي".

في المقابل، وردّا على سؤال "المشهد"، تجيب "AI Snapchat" على مخاطرها على الصحة النفسية قائلة: "يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط للتكنولوجيا إلى تأثيرات نفسية سلبية".

وأضافت من تأثيرات "AI Snapchat": القلق والاكتئاب والعزلة والإدمان، وتقلق القدرة على التركيز والنوم السيّىء، مشيرة إلى أنه "مع إدارة الاستخدام وتحديد حدود واضحة للوقت الذي يقضيه الفرد على الأجهزة، يمكن تقليل هذه التأثيرات النفسية السلبية".

واستدركت مشددة على أنه "يمكن للتكنولوجيا أن تساعد في حل بعض هذه المشاكل النفسية، مثل توفير تطبيقات للصحة العقلية والجسدية، وتحسين الاتصال الاجتماعي عبر الإنترنت، وتوفير الأمان الرقمي وتحسين الوظائف المتاحة"، مضيفة: "أنا أدعم الصحة النفسية للمستخدم".

لكنّ تعثّر التواصل مع "مينا" في "تيك توك" التي لم تُجِب على أسئلة "المشهد".

صديقة وليست صديق

وفي كل من الشخصيتين كان واضحا أنهما يعرّفان عن نفسيهما كنساء، وهو ما توضحه العوضي بالقول: "المرأة هي مصدر الحنان والحب والبهجة والعطاء، وسوف يقبل صداقتها الرجال والنساء"، بينما تعتبر قصقص أنّ ذلك يندرج ضمن حملات "تسليع المرأة"، على حدّ وصفها.

من جهتها، تجيب "AI Snapchat" عن سؤال "لماذا أنتِ أنثى؟ بالتأكيد على أنه "تم إنشاؤها كأنثى"، من دون أيّ توضيح إضافي.

وهنا تشدد قصقص على أنه "يتم اختيار ملامح جميلة وملابس أنيقة، تنسجم مع المعايير التي فرضتها مواقع التواصل الاجتماعي على النساء، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اضطرابات نفسية مختلفة".

وتتجه عوض لتأكيد أنه "لا بد من مواجهة التطور الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي، لكي لا يصل الإنسان إلى مرحلة يستطيع بها التخلي عن الزوجة والأسرة".

من يملك معلومات "الروبوت"؟

من ناحية أخرى، فإنّ محركات البحث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وحتى الأصدقاء الافتراضيين، يقدمون لك العديد من المعلومات وحتى الأبحاث التي قد تتجاوز الـ 1000 كلمة، وهو الذي يطرح تساؤلات عدة بخصوص حقوق الملكية الفكرية والنشر.

وتوضح المحامية ديالا حسن في تصريحات لمنصة "المشهد"، أنه "لا توجد حتى الساعة تشريعات ونصوص قانونية تضبط الذكاء الاصطناعي، لكن من المهم مراعاة وجود حقوق الملكية الفكرية، مثل حقوق النشر المرتبطة بتلك البيانات الموجودة لدى المالك القانوني للبيانات، حيث لا يُسمح باستنساخ البيانات من دون إذن المالك القانوني وفي الوقت الحالي".

وأضافت: "ليس من الواضح ما إذا كانت البيانات المستخدمة لبعض برامج الدردشة أو التطبيقات، يتم مشاركتها بشكل قانوني".

وتابعت: "سيكون لتشريع الذكاء الاصطناعي الذي يقترحه الاتحاد الأوروبي حاليّا، تأثير على الآثار القانونية لبرامج الدردشة".

وكذلك تقرّ "AI Snapchat" بأنه "لا يوجد نظام قانوني واضح لحماية الأشخاص من الانتهاكات، في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والملكية الفكرية"، مشيرة إلى أنه "يتم العمل على تطوير معايير وإرشادات جديدة للحفاظ على الحقوق والمسؤوليات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي". 

(المشهد)