نفى مستشار قائد "قوات الدعم السريع" في السودان، أيوب عثمان نهار، لـ"الشرق"، تلقي "الدعم السريع" أي دعوة لحضور اجتماعات محتملة في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأسبوع المقبل، لافتاً إلى الاستعداد لتلبية أي دعوة للحضور.

وفي حين قالت "الخارجية الأميركية"، لـ"الشرق"، إن واشنطن "لم تعلن حتى الآن عن اجتماعات بشأن السودان"، كشفت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، عن فعاليات مختلفة متعلقة بالسودان، ستعقد على هامش الجمعية العامة في نيويورك، بغية "جلب الأطراف المختلفة إلى طاولة المفاوضات".

وأضافت أن "قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، سيمثّل حكومة بلاده في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيرة إلى "أن اجتماعات عدّة لوزراء خارجية عدد من البلدان سيتم تنظيمها في هذا الإطار".

البرهان ودقلو يرحبان بخطاب بايدن

ورحّب رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، شأنه شأن قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، بخطاب وجهه الرئيس الأميركي جو بايدن، خصصه للسودان، داعياً الأطراف إلى وقف القتال والعودة لطاولة المفاوضات.

ورداً على دعوة بايدن، أبدى البرهان استعداده لـ"تعميق المناقشات مع المسؤولين الأميركيين" في نيويورك، ما يشير لإمكان ترتيب لقاءات بين الجانبين السوداني والأميركي، بعد أن تعثر اجتماعان سابقان في جدة والقاهرة، لإقناع الجانب السوداني بالذهاب إلى جنيف، التي انتهت مداولاتها بالتزام من قبل قوات الدعم السريع بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين.

وتزامن مع ذلك، إعلان حكومي سوداني، بفتح معبر أدري الحدودي مع تشاد أمام شحنات الإغاثة، غير أن المسؤولين الأمميين ما زالوا يشكون من عقبات تعترض سبيل هذه الشحنات. 

ودعا نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان "دارفور"، توبي هاروارد، إلى توفير ممرات منتظمة عبر أدري والطينة في دارفور، وبورتسودان في شرق البلاد، و"السماح بحرية الحركة دون نهب وضرائب وعوائق بيروقراطية".

يأتي ذلك، في وقت تعصف فيه الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، على حد وصف منظمات دولية، بنحو 25 مليون سوداني يعانون شبح المجاعة، وتفشي الكوليرا وسط 10 آلاف شخص على الأقل في عدد من الولايات، وتحذيرات من إصابة ما لا يقل عن 3 ملايين طفل بها وبأمراض "مميتة" أخرى، حسب "يونيسف".

اجتماعات في نيويورك

ولفتت مصادر متطابقة، قريبة من الملف، إلى وجود نية أميركية لعقد اجتماعات مكثفة في نيويورك بشأن السودان، تضم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزراء خارجية من دول عربية وإفريقية وغربية، للدفع باتجاه إطلاق جولة جديدة من المفاوضات بين الأطراف السودانية، أملاً في وقف الحرب.

وكشف بلينكن، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري، بدر عبد العاطي، في القاهرة، الأربعاء، عن تنسيق مع الجانب المصري لإنهاء حرب السودان. وأكد أن إحراز تقدم بشأن القتال في السودان "مهدد" بسبب هجوم "الدعم السريع" على الفاشر، في شمال دارفور.

من جهته، قال المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيريلو، إن بلاده تتفق مع دعوة الجيش السوداني إلى خروج وحدات "الدعم السريع" من الأعيان المدنية مثل المستشفيات والمنازل. لكن قادة الدعم السريع عادة ما ينفون وجود قواتهم في أعيان كهذه، ويتحدثون عن تعهدات التزم بها الجيش في جدة، ولم يوف بها، وعلى رأسها توقيف المتهمين الهاربين من السجون، ولا سيما قادة النظام السابق.

واستنكر قائد قوات الدعم السريع، في رده على خطاب بادين، تغّيب قادة الجيش السوداني عن عدد من الجولات الرامية لوقف النار، متهماً عناصر النظام السابق بالسيطرة على قرار القوات المسلحة السودانية، وشلّ إرادتها.

ولم تفلح الجهود الدولية في إثناء الحكومة السودانية عن العزوف عن الالتحاق بمفاوضات جنيف، في أغسطس الماضي.

وتمسكت الحكومة بموقفها، وشددت على ضرورة تنفيذ مخرجات جدة، متسائلة عن جدوى تغيير مكان التفاوض من جدة إلى جنيف، ومتحفظة، بشدة، على دعوة أطراف إقليمية للمشاركة بصفة مراقب.

جهود "متعثرة"

وفيما رفضت الحكومة السودانية توصيةً من لجنة تقصي الحقائق الأممية بنشر قوات حفظ سلام في السودان، يرى مراقبون أن نشر قوات كهذه في ظل الحرب المستعرة لن يجدي، إن لم يتم التوصل لوقف نار، فضلاً عن نقص الموارد اللازمة لنشر آلاف الجنود في كل أنحاء السودان، إلا أن محللين آخرين قالوا إن الأسرة الدولية قد تتدخل في السودان، "في لحظة ما"، حسب تعبيرهم.

وأوضحت نائبة مدير المعهد الأوروبي للسلام، ومقره بروكسل، ستين ليمان، لـ"الشرق" أن عقد اجتماعات بشأن في السودان في نيويورك "ممكن ومحبذ، وهذا تحديداً ما ينبغي أن تنصب عليه الجهود"، غير أنها أشارت لمساع جدية يتوجب القيام بها وإرادة فولاذية تشمل كل الأطراف من أجل دفع الأمور إلى الأمام.

وقالت إن أي جهد أميركي في هذا الإطار، ينبغي أن يبدأ بجمع الفاعلين السودانيين و"الخارجيين"، مردفة أن واشنطن قادرة على ذلك إن أرادت.

وفي هذا السياق، قالت السفيرة البريطانية السابقة إلى السودان، والباحثة المشاركة في برنامج إفريقيا في "تشاتام هاوس" في لندن، روزاليند مارسيدين، إن سبعة عشر شهرا من الحرب أودت بحياة عشرات الآلاف، وشرّدت 10 ملايين آخرين، فيما "لم تفلح الجهود الدولية الجدية في الوساطة وإنهاء الأزمة" حسب تعبيرها.

وأضافت في تقرير نشر في "تشاتام هاوس" أن آخر هذه الجهود أطلقتها الولايات المتحدة، وكان مأمولاً أن يتم التوصل لوقف نار في جنيف، منتصف أغسطس الماضي، لكن "تقدماً محدوداً فحسب أُحرز بشأن إدخال مساعدات إنسانية إلى دارفور".

وعزت مارسيدين الإخفاق في جنيف إلى عزوف الطرفين، "الجيش" و"الدعم السريع" عن الوصول لوقف نار لـ"قناعتهما بإمكان تحقيق نصر عسكري". وخلصت الدبلوماسية البريطانية السابقة إلى أن الحاجة ماسة لضغوط إضافية على الأطراف التي "تغذي" الصراع في السودان.

غضب وإحباط في واشنطن

وكشفت مصادر غربية لـ"الشرق"، عن إحباط وغضب المسؤولين الأميركيين بعد الجهود التي بذلوها من أجل جمع الأطراف في جنيف.

وقالت إن اجتماعات على مستوى عالٍ نُظمت في واشنطن بغية بلورة "مقاربة" جديدة، تُستخدم فيها، على الأرجح سياسة "العصا والجزرة" بما في ذلك العقوبات والتحفيز، وتولي الأطراف الإقليمية المؤثرة أهمية أكبر في المرحلة المقبلة، وهذا ربما ما قاد المبعوث الأميركي، توم بيريلو، إلى جولة شملت عواصم شرق أوسطية عدة، في سبيل السعي للضغط وإقناع الأطراف السودانية بالانخراط في المفاوضات.

وفي سياق متصل، أشارت مصادر سودانية مطلعة، إلى أن المسؤولين الأميركيين تعززت لديهم قناعة بأن حركات مسلّحة تقاتل إلى جانب الجيش في الفاشر ومواقع أخرى، هي وقيادات من عناصر نظام (الرئيس السابق عمر) البشير، وتدعم الجيش، تبدي قدراً كبيراً من "عدم المرونة" ما عرقل الجهود "الأميركية- الإقليمية" في حمل الأطراف على الجلوس على طاولة التفاوض.

"القاهرة 2"

وتحاول أطراف سودانية وإقليمية جمع الكتل والقوى السياسية السودانية مرة أخرى في العاصمة المصرية القاهرة، أملاً في أن يثمر لقاء ثانٍ في القاهرة، عن اتفاق، ولو على الحد الأدنى، ما سيشكل ضغطاً أكبر على الأطراف المتناحرة، ويدفعها دفعاً نحو التفاوض.

لكن هذه الجهود لم تتبلور في شكلها النهائي حتى الآن، وإن بدت القاهرة، برأي مصادر تحدثت إليهم "الشرق" مكاناً أنسب، بعد إخفاق الاتحاد الإفريقي في جمع الأطراف السياسية على نحو جدّي في أديس أبابا، والنجاح النسبي الذي تحقق بجمع الأطراف، للمرة الأولى منذ تفجّر الحرب، كان في القاهرة.

واشنطن تطلق جهوداً جديدة

وقالت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، الثلاثاء، إن إدارة بايدن شرعت بالفعل في إطلاق جهود جديدة لحلحلة مواقف الفرقاء السودانيين، ودفعهم لبدء جولة جديدة من المحادثات.

وأشارت إلى أن هذه الجهود ستتبلور أكثر أثناء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونقلت عن ثلاثة مسؤولين قريبين من الملف السوداني قولهم إن "بلينكن، سيعقد، على الأرجح، سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى، بهذا الشأن، مع وزراء خارجية ومسؤولين كبار من دول إفريقية وعربية، في 25 من هذا الشهر، في نيويورك" بغية منح الجهود الدولية من أجل السودان "قبلة حياة" والتوصل لاتفاق بين الجيش وقوات الدعم السريع.