كشف البيت الأبيض عن قيود جديدة واسعة النطاق على بيع الرقائق الذكية المتقدمة التي تصنعها شركة "إنفيديا" وشركات مشابهة، ما يترك لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب اتخاذ القرار بشأن كيفية تنفيذ هذه القيود التي واجهت معارضة قوية من الصناعة.

ستدخل هذه القواعد حيّز التنفيذ بعد عام، والتي تضع حدوداً على قدرة الحوسبة التي يمكن بيعها لمعظم الدول. ويمكن للشركات في تلك الدول تجاوز هذه القيود الوطنية إذا وافقت على مجموعة من المعايير المتعلقة بالأمن وحقوق الإنسان، وفقاً لما ذكره مسؤولون أميركيون.

سيكون أمام الشركات فترة تعليق مدتها 120 يوماً، وهي فترة استثنائية طويلة، لإتاحة الفرصة لإدارة ترمب للاستقرار وإجراء تعديلات على القواعد بعد التشاور مع الصناعة ودول أخرى، وفقاً لتصريحات وزيرة التجارة جينا ريموندو للصحافيين قبل الإعلان عن هذه الإجراءات.

لماذا تفرض أميركا قيوداً جديدة؟

أكدت ريموندو أن إدارة بايدن تسعى لتحقيق توازن بين حماية الأمن القومي واستمرار التجارة في مجال الرقائق الإلكترونية. وأضافت أن الأنشطة المرتبطة بسلاسل التوريد ورقائق الألعاب مستثناة من القيود الجديدة. كما أشارت إلى أن واشنطن ستعفي من التراخيص بيع الرقائق ذات القدرة الحوسبية المنخفضة، مثل تلك التي تُباع للجامعات والمعاهد البحثية.

وقالت ريموندو: "هذا أمر صعب للغاية، ولا توجد قاعدة مثالية. إدارة المخاطر الأمنية الوطنية تتطلب توازناً دقيقاً يأخذ كل هذه الأمور في الاعتبار".

أثارت القدرات التكنولوجية المتزايدة للصين قلقاً متزايداً في الولايات المتحدة، وتهدف الخطوة للحد من بيع رقائق الذكاء الاصطناعي المستخدمة في مراكز البيانات سواء على مستوى الدول أو الشركات إلى تركيز تطوير الذكاء الاصطناعي في الدول الصديقة، وحث الشركات العالمية على الالتزام بالمعايير الأميركية، وفقاً لتقارير سابقة من "بلومبرغ".

وأوضحت إدارة بايدن أنها ناقشت هذه الإجراءات مع من سيخلفها، وذكر أحد المسؤولين الأميركيين أن فرض قيود على التصدير كان بشكل كبير أولوية مشتركة بين الحزبين لحماية الأمن القومي.

شروط تصدير رقائق "إنفيديا"

على غرار القواعد المطبقة على الدول المستوردة، يمكن للشركات في الولايات المتحدة وحوالي 20 دولة حليفة الموافقة على معايير الحكومة الأميركية للحصول على إذن لتصدير رقائق "إنفيديا" إلى الدول المقيدة.

وللحصول على هذا الإذن، يتعين على الشركات الاحتفاظ بالغالبية العظمى من قدرتها الحوسبية في الدول الصديقة. ومع ذلك، لن يشمل هذا الإذن مراكز البيانات في الصين وروسيا وماكاو وحوالي 20 موقعاً آخر تخضع لحظر الأسلحة الأميركي. وبالتالي، حظرت الولايات المتحدة فعلياً شحن رقائق الذكاء الاصطناعي إلى تلك الأماكن.

تهدف هذه الإجراءات، التي حذرت شركات مثل "إنفيديا"، و"أوراكل" من أنها قد تكون كارثية لقطاع التكنولوجيا الأميركي، إلى ضمان أن يتماشى تطوير الذكاء الاصطناعي عالمياً مع المعايير الأميركية وأن يعتمد على التكنولوجيا الأميركية وليس الصينية.

تحصين أنظمة الذكاء الاصطناعي

اعتبر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان في حديث للصحافيين أن "هذه الخطوة تضمن أن يتم تطوير البنية التحتية لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وهي الأنظمة الأكثر تطوراً في هذا المجال، داخل الولايات المتحدة أو في مناطق حلفائنا المقربين، وأن هذه القدرة لا يتم تصديرها للخارج مثلما حدث مع الرقائق والبطاريات وصناعات أخرى اضطررنا لاستثمار مئات المليارات من الدولارات لإعادتها إلى الداخل".

ومع ذلك، حذرت الشركات وبعض المشرعين الرئيسيين من أن هذه القيود قد تدفع العملاء نحو منتجات الشركات الصينية، بما في ذلك شركة "هواوي" المدرجة على القائمة السوداء، إذا لم يتمكنوا من شراء المنتجات الأميركية المفضلة لديهم أو إذا كانت المتطلبات الأمنية المرتبطة بهذه المنتجات مرهقة للغاية.

"إنفيديا" ترصد تجاوزاً حكومياً

رأى نائب رئيس "إنفيديا" للشؤون الحكومية نيد فينكل، في بيان، أن قواعد إدارة بايدن "تهدد بإهدار التفوق التكنولوجي الذي حققته أميركا بصعوبة"، وذلك من خلال "محاولة التلاعب بنتائج السوق وكبح المنافسة".

وأضاف: "كما أثبتت الإدارة الأولى للرئيس ترمب، فإن أميركا تنتصر من خلال الابتكار والمنافسة ومشاركة تقنياتها مع العالم، وليس من خلال الانعزال وراء جدار من التدخل الحكومي المفرط".

وعبر عضوا مجلس الشيوخ الأميركي تيد كروز وماريا كانتويل، وهما أبرز الجمهوريين والديمقراطيين في لجنة التجارة، عن وجهة نظر مشابهة في رسالة أرسلوها إلى وزيرة التجارة جينا ريموندو في ديسمبر. وجاء في الرسالة: "إن مثل هذه القيود الصارمة ستعيق بشكل كبير مبيعات التكنولوجيا الأميركية في الخارج وتخاطر بدفع المشترين الأجانب إلى اللجوء إلى المنافسين الصينيين مثل (هواوي)".

في بيان صدر الأسبوع الماضي، قبل الإعلان الرسمي عن القواعد، قال السيناتور تيد كروز إنه سيأخذ بعين الاعتبار "كل الأدوات"، بما في ذلك قانون مراجعة الكونجرس (CRA)، لحماية الصناعة الأميركية من "التدخل غير الضروري". ويتيح هذا القانون للكونجرس إلغاء بعض القواعد الصادرة عن الوكالات التنفيذية.

من ناحية أخرى، يدعم مشرعون آخرون، بمن فيهم القادة من الحزبين في لجنة الصين التابعة لمجلس النواب، النهج الذي تتبعه إدارة بايدن.

وقال جيمي جودريتش، المستشار البارز لشؤون تحليل التكنولوجيا في مؤسسة "راند" (RAND)، إن رقائق الذكاء الاصطناعي الصينية ليست منافسة عالمياً في الوقت الحالي.

وتابع: "بسبب قيود التصدير، لم تتمكن الصين من إنتاج كمية كافية من رقائق الذكاء الاصطناعي لتلبية احتياجاتها المحلية، وحتى تلك الرقائق أقل تطوراً بجيل أو اثنين على الأقل مقارنة بالرقائق الأميركية."

علاوة على ذلك، تضع القواعد الجديدة قيوداً على تصدير ما يُعرف بـ"أوزان النماذج المغلقة" لأول مرة، وهذه الأوزان تتحكم في كيفية معالجة نماذج الذكاء الاصطناعي للبيانات وإنتاج الردود والتنبؤات.

هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ"