مع اقتراب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من تسلم مهامه رسمياً، تواجه الأسواق المالية مرحلة جديدة من الترقب، مدفوعة بتوقعات حول تأثير سياساته الاقتصادية، لا سيما تلك المتعلقة بالتجارة وفرض التعريفات الجمركية.

هذه السياسات، التي تهدف إلى حماية الصناعة المحلية، أثارت نقاشات واسعة حول فرص النمو والتحديات المحتملة التي قد تواجه الاستثمارات في مختلف القطاعات، فبينما يرى بعض خبراء أن هذه السياسات قد تفتح أبواباً للنمو الاقتصادي وتعزز من قوة الشركات المحلية الصغيرة، يعبر آخرون عن مخاوفهم من تداعياتها التضخمية وتراجع جاذبية الاستثمارات الدولية. ومع هذا التباين في التوقعات، تبدو الخيارات الاستثمارية أشبه برهانات محسوبة تحتاج إلى تحليل عميق ودقة في التخطيط.

لكن في ظل هذه الظروف، ما هي أفضل الاستراتيجيات التي يمكن للمستثمرين اتباعها لتحقيق العوائد المستدامة؟ وهل يمكن للشركات الصغيرة أن تكون الرابح الأكبر في هذا المشهد الاقتصادي الجديد؟ أم أن مخاطر التعريفات قد تجعل من الصعب التنبؤ بالمستقبل الاستثماري؟

كيف تحمي محفظتك من المخاطر؟

ويعمل مديرو أموال ومحافظ استثمارية على وضع استراتيجيات لمواجهة التحديات المرتبطة بأجندة التعريفات الجمركية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ومنهم جون دافي، مدير الأموال والرئيس التنفيذي لشركة "Astoria Portfolio Advisors"، الذي يشعر بالقلق من أن سياسات الإدارة الأميركية لجديدة قد تكون "ذات طابع تضخمي للغاية"، ويرى أنه من المهم اختيار الاستثمارات بعناية، طبقاً لتقرير نشرته  شبكة "سي إن بي سي" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية تحت عنوان "كيف تحمي محفظتك من المخاطر المرتبطة بأجندة التعريفات الجمركية للرئيس المنتخب دونالد ترامب؟".

ويعتبر دافي الذي يشغل أيضاً منصب كبير مسؤولي الاستثمار في الشركة أن "الصناعات ذات رؤوس الأموال الصغيرة تبدو منطقية أكثر من الصناعات ذات رؤوس الأموال الكبيرة"، متوقعاً أن تساعد الأغلبية الجمهورية في دفع أجندة سياسة داعمة للنمو وتعزز التوجهات المحلية، وهو ما سيعود بالفائدة على الشركات ذات رؤوس الأموال الصغيرة.

ويبدو أن وول ستريت تتفق مع هذا التوجه حتى الآن؛ فمنذ الانتخابات الرئاسية الأميركية، ارتفع مؤشر Russell 2000، الذي يتتبع أداء الأسهم ذات رؤوس الأموال الصغيرة، بحوالي 4 بالمئة حتى إغلاق يوم الجمعة الماضي، بحسب تقرير الشبكة الأميركية.

ويرى دافي أن البقاء في السوق الأميركية خيار ذكي، على الرغم من المخاطر المرتبطة بالتعريفات الجمركية، حيث قال: "نحن نعتمد بشكل كبير على السوق الأميركية باعتباره الخيار الأمثل في السنوات المقبلة حتى الانتخابات النصفية"، كما أنه يخطط من جهة أخرى للابتعاد عن السندات بسبب التحديات المرتبطة بالعجز المتزايد في الميزانية، محذراً بقوله: "يجب الحذر إذا كنت تمتلك سندات".

وتعهد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية بفرض تعريفات ورسوم جمركية لحماية الصناعة الأميركية، منها رسوم شاملة بنسبة تتراوح بين 10 و20 بالمئة على شركاء أميركا والدول الحليفة التي يختل ميزانها التجاري مع أميركا، فضلاً عن ضريبة بنسبة 60 بالمئة على الواردات الصينية، وكان خلال ولايته الأولى فرض رسوماً جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من الصين ودول أوروبية.

استمرار سياسة "أميركا أولاً"

وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري أن إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة تحمل معها تحولاً كبيراً في السياسة الاقتصادية الأميركية والدولية، متوقعاً أن تستمر سياسات “أمريكا أولاً” التي يعتمدها ترامب، والتي تتضمن تصعيداً للسياسات الحمائية من خلال فرض تعريفات جمركية إضافية على الواردات، بهدف دعم التصنيع المحلي".

وفي الوقت ذاته، من المرجح أن تُعدل قوانين الضرائب لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى الولايات المتحدة، مع تعزيز قطاع الطاقة التقليدية مثل النفط والفحم، على حساب مصادر الطاقة المتجددة، بحسب تعبيره.

 وأشار الدكتور الشبشيري إلى نتائج دراسة “أثر حرب التجارة في 2018 على الأسعار والرفاهية في الولايات المتحدة”، التي أُعدت من قبل Mary Amiti، Stephen J. Redding، وDavid Weinstein، والتي تبرز بعض التحديات التي قد تترتب على السياسات التجارية الحمائية في حال استمرارية نهج ترامب.

  • الزيادة في الأسعار: فرض إدارة ترامب رسوماً جمركية على السلع الصينية في 2018 بنسبة 25 بالمئة، مما أدى إلى زيادة الأسعار في الولايات المتحدة بنسبة تتراوح بين 0.3 بالمئة إلى 0.4 بالمئة. كانت الزيادة أكثر وضوحاً في السلع التي تم فرض التعريفات عليها مباشرة مثل الإلكترونيات والملابس.
  • التأثير على الإنتاج: ارتفعت تكاليف الإنتاج في العديد من الصناعات الأميركية نتيجة لهذه الرسوم. الأمر الذي أثر بدوره على الأسعار في الأسواق المحلية، مما دفع إلى زيادة تكاليف الاستيراد والإنتاج في العديد من القطاعات.
  • تقليل رفاهية المستهلكين: قدرت الدراسة أن حرب التجارة قللت من رفاهية المستهلكين الأميركيين بحوالي 1.4 إلى 1.8 مليار دولار سنوياً بسبب زيادة الأسعار الناتجة عن التعريفات الجمركية، مما أثقل كاهل الأسر الأمريكية.
  • الفوائد لمنتجي الولايات المتحدة: بالرغم من الآثار السلبية على المستهلكين، فقد استفادت بعض الصناعات الأميركية من تقليص المنافسة الصينية، خاصة في قطاعي الصلب والألومنيوم، حيث حققت بعض الشركات زيادة في أرباحها تصل إلى 1.4 مليار دولار من خلال رفع الأسعار وتحسين الإيرادات.
  • التأثيرات العالمية: على الصعيد الدولي، كانت هذه الحرب التجارية سبباً في تقليص التجارة العالمية بنسبة تتراوح بين 0.2 بالمئة إلى 0.3 بالمئة، ما يعكس تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي.

فرص وتحديات الاستثمار

في ضوء هذه التأثيرات، يمكن للمستثمرين في الولايات المتحدة تحديد فرصهم المستقبلية بناءً على القطاعات التي ستستفيد من سياسات ترامب الحمائية. فالقطاعات التي تدعمها الحكومة مثل الطاقة التقليدية، الدفاع، والبنية التحتية من المتوقع أن تشهد تدفقاً أكبر للاستثمارات، بحسب الشبشيري الذي أشار إلى استمرار دعم قطاع الطاقة التقليدية، باعتبار ذلك أحد النقاط الرئيسية في سياسة ترامب الاقتصادية، مما يعزز من فرص النمو في هذه الصناعات. فضلاً عن أن الصناعات الدفاعية والبنية التحتية قد تحقق استفادة مماثلة من زيادة الإنفاق الحكومي.

ومع ذلك يشير الخبير الاقتصادي إلى أن "هناك تهديدات واضحة لبعض القطاعات، مثل شركات التكنولوجيا التي تعتمد على التوريد الدولي، والتي قد تتضرر من الزيادة في تكاليف الإنتاج بسبب التعريفات الجمركية. كما فإن التوترات المتزايدة مع الصين قد تؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، مما قد يؤثر سلباً على الشركات التي تعتمد على هذه السلاسل لتوريد المواد الخام أو المنتجات شبه الجاهزة.

وأضاف: "بينما يوفر الوضع الحالي فرصة لتعزيز الصناعات المحلية في الولايات المتحدة، خاصة في القطاعات المدعومة حكومياً، فإنه يحمل أيضاً مخاطر كبيرة على القطاعات الأخرى، مما يتطلب من المستثمرين التحلي بالحذر. فإذا كانت الشركات الصغيرة تتطلع إلى الاستفادة من هذه السياسات، فعليها أن تركز على القطاعات التي تشهد دعماً مباشراً من الحكومة مثل الصناعات الثقيلة والزراعة. ومع ذلك، يجب أن تدرك هذه الشركات التحديات المحتملة المرتبطة بزيادة تكاليف الإنتاج، التي قد تؤثر على قدرتها التنافسية في الأسواق الدولية".

من جانبه قال الخبير الاقتصادي والمالي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "فرض التعريفات الجمركية الباهظة على الواردات قد يصبح أحد أبرز سمات عهد ترامب المقبل. سواء كان هذا القرار صائباً أم لا، فإنه يهدف بشكل رئيسي إلى حماية الصناعة الأميركية. وبالنسبة للمستثمر، عليه أن يركز على كيفية خلق هذه السياسات لفرص استثمارية في بعض القطاعات، وكيف يمكن أن تؤثر سلباً على قطاعات أخرى.

يؤدي فرض التعريفات الجمركية إلى زيادة تكلفة المنتجات المستوردة، مما يمنح الشركات الصغيرة داخل الولايات المتحدة ميزة تنافسية أكبر في السوق المحلي. وبالتالي، يجب على المستثمرين في السوق الأميركية توجيه اهتمامهم نحو القطاعات التي تستفيد من هذه السياسات الحمائية، وخاصة القطاعات التي تعتمد على السوق المحلي وتحصل على دعم حكومي مباشر، وفقاً للقمزي.

في المقابل، يضيف الخبير الاقتصادي والمالي: "ينبغي على المستثمرين توخي الحذر عند الاستثمار في الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الواردات أو التصدير، مثل شركات التكنولوجيا وصناعة السيارات. هذه الشركات ستواجه ارتفاعاً في التكاليف نتيجة التعريفات الجمركية، مما سيؤثر بشكل مباشر على هوامش أرباحها.

كما يفضل تجنب الاستثمار في الأسواق الناشئة والشركات الأجنبية التي تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تتأثر سلباً بفرض الرسوم الجمركية عليها، مما قد يضعف تنافسيتها ويحد من أرباحها، بحسب تعبيره.

أين يجب أن تتركز الاستثمارات؟

وتحدث القمزي عن أفضل الاستثمارات التي يجب التركيز عليها في عهد ترامب وفقاً لما يلي:

  • الشركات المستفيدة من الدعم والسياسات الحمائية:

القطاعات الصناعية والزراعية التي تحظى بدعم حكومي قد تشهد نمواً كبيراً بسبب زيادة الطلب على المنتجات المحلية.

  • قطاع الطاقة:

سياسات ترامب لدعم الاكتفاء الذاتي من الطاقة وتحويل الولايات المتحدة إلى منافس قوي في تصدير النفط والغاز تجعل هذا القطاع فرصة جذابة للمستثمرين.

  • السندات الأميركية وأدوات الدين:

مع توقعات بحدوث تقلبات كبيرة في أسواق الأسهم نتيجة تأثر الشركات الأميركية الكبرى التي تعتمد على التصدير للأسواق الصينية والأوروبية، يمكن أن تكون السندات الأميركية ملاذاً آمناً للمستثمرين.

  • الأسواق العالمية غير المتأثرة بالتعريفات:

يمكن للمستثمرين توجيه استثماراتهم نحو الأسواق الدولية التي لن تتأثر بسياسات التعريفات الجمركية، مما يوفر لهم تنويعاً لتقليل المخاطر.

وختم الخبير الاقتصادي القمزي بأن "الاستثمار في عهد ترامب يتطلب استراتيجية مدروسة تركز على الشركات المستفيدة من السياسات الحمائية والدعم الحكومي، مع تجنب القطاعات التي قد تتضرر من ارتفاع التكاليف أو انخفاض تنافسيتها في الأسواق العالمية. وعلى المستثمرين أن يظلوا مرنين في قراراتهم ويستفيدوا من الفرص الناتجة عن هذه التغيرات الاقتصادية".