كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة عن تحول ملحوظ في اختيارات الناخبين المسلمين والعرب، الذين كانوا يشكلون تاريخياً، كتلة تصويتية موالية للحزب الديمقراطي.

لكن في ظل تصاعد الغضب داخل المجتمع المسلم والعربي تجاه السياسة الأميركية في غزة، تراجع دعمهم للحزب الديمقراطي لصالح الحزب الجمهوري، مما ساعد الرئيس المُنتخَب دونالد ترمب في تحقيق نتائج قوية في مدن ذات أغلبية عربية، مثل ديربورن في ولاية ميشيجان.

وذكر تقرير لشبكة NBC News الأميركية، أن الناخبين العرب والمسلمين تخلوا عن الحزب الديمقراطي هذا العام بشكل دفع بعض قادة هذا المجتمع إلى التحذير من حدوث تحول دائم في الكتلة التصويتية، التي كانت دائماً موالية للديمقراطيين على مدى عقدين من الزمان منذ تخليها عن الحزب الجمهوري. 

ورغم أنه لم يكن هناك أي مجموعة بعينها قادرة على تغيير مجرى انتخابات، الثلاثاء، الماضي التي فاز فيها ترمب بهامش مريح، فإن النتائج تُظهر ميل مجموعة من الناخبين نحو الرئيس المُنتخَب، على الرغم من خطابه الذي كانوا يعتبرونه مُعادياً لهم. 

وقالت ليلى العابد، الرئيسة المشاركة لحركة "غير ملتزم" الأميركية، والتي نشأت خلال الانتخابات التمهيدية الديمقراطية للاحتجاج على دعم الرئيس الأميركي جو بايدن لحرب إسرائيل على قطاع غزة: "قد نشهد خروجاً جماعياً لأجيال مختلفة من الديمقراطيين من الحزب، وستكون هناك تداعيات حقيقية طويلة الأجل مستقبلاً، إذا لم يتحرك الحزب الديمقراطي بطريقة تتماشى مع قاعدته".

ترمب يفوز بأصوات ديربورن

في عام 2000، دعّم الناخبون المسلمون الرئيس الجمهوري السابق جورج دبليو بوش، لكنهم تخلوا عن الحزب الجمهوري بعد ذلك، رداً على التدخلات العسكرية لإدارته في الخارج بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وسياسات "مكافحة الإرهاب" في الداخل، والتي شعروا أنها تستهدف المسلمين بشكل غير عادل. 

وفي العقدين التاليين، انحاز الأميركيون المسلمون إلى الديمقراطيين، ومع وصول ترمب إلى السُلطة، بدا الحزب الديمقراطي وكأنه المكان الطبيعي للمسلمين، خاصةً بعد قيامه بحظر دخول الأشخاص من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى البلاد، وإطلاقه تصريحات اعتبرت مُعادية للمسلمين. 

لكن في الانتخابات الأخيرة، فاز ترمب بأصوات مدينة ديربورن بولاية ميشيجان، التي تضم أكبر نسبة من الأميركيين من ذوي الأصول العربية في البلاد، كما حصلت مرشحة "حزب الخضر" جيل شتاين، التي كانت تركز حملتها الانتخابية على إنهاء الإبادة الجماعية في غزة، على حصة أكبر بكثير مما فازت به في أي مكان آخر في البلاد.

وحصل ترمب على 42% من الأصوات في ديربورن، التي ينحدر أكثر من نصف سكانها من أصول شرق أوسطية، وذلك بزيادة تقارب 15 نقطة مئوية عن عام 2020، فيما حصلت هاريس على 36% فقط من أصوات المدينة، أي ما يزيد قليلاً عن نصف نسبة بايدن في انتخابات عام 2020.

وكانت النتيجة متطابقة تقريباً في ديربورن هايتس المجاورة، والتي تضم أيضاً مجتمعاً كبيراً من الأميركيين من ذوي الأصول العربية، والتي أعلن فيها العمدة بيل بازي، الشهر الماضي، تأييده للرئيس المُنتخَب.

خطأ الديمقراطيين "الاستراتيجي"

مجلس العلاقات الأميركية-الإسلامية (CAIR)، وهو أحد أكبر جماعات الدفاع عن المسلمين في الولايات المتحدة، أجرى استطلاعاً لآراء الأميركيين المسلمين بعد الانتخابات، والذي أظهر أن 20% فقط من المستجيبين أيدوا هاريس، مقارنةً بـ69% قالوا إنهم أيدوا بايدن في الاستطلاع الذي أُجري بعد انتخابات 2020. 

وقال روبرت ماكاو، مدير الشؤون الحكومية في CAIR: "يؤكد استطلاعنا لآراء الناخبين المسلمين الأميركيين أن المعارضة لدعم إدارة بايدن للحرب على غزة لعبت دوراً حاسماً في الانتخابات، مما أدى إلى انخفاض حاد في دعم نائبة الرئيس هاريس".

وذكرت NBC News أن القادة الديمقراطيين من المسلمين والعرب يقولون إن حزبهم لم يتعامل بجدية مع الغضب الذي يشعر به مجتمعهم، مشيرين إلى أن العديد من الديمقراطيين افترضوا أن الناخبين العرب والمسلمين سيعودون إلى الحزب من جديد، بمجرد أن يصبح من الواضح لهم أن ترمب قد يفوز ويمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حرية التصرف في الحرب.

وبعيداً عن هذا "الخطأ الاستراتيجي"، فإن القادة الديمقراطيين من مجتمع المسلمين في الولايات المتحدة يقولون إن حملة هاريس فشلت تكتيكياً في إدارة التعامل مع مجتمعهم، بما في ذلك عقد الاجتماعات مع قادته، وإتاحة الفرصة للقائهم شخصياً، بحسب NBC News. 

وفي المقابل، أمضى ترمب وقتاً أطول في محاولة استمالة قادة مجتمع المسلمين في ديربورن أكثر من هاريس، إذ حضر مائدة مستديرة وجلسة تصوير معهم، ودعا السياسيين العرب الذين أيدوا حملته للتحدث على المنصة في تجمعاته الانتخابية، وأرسل رجل الأعمال اللبناني مسعد بولس، وهو والد زوج ابنته تيفاني، لتناول العشاء مع قادة مجتمع المسلمين.

"أصوات غير مضمونة"

ونقلت NBC News عن رابيول شودري، وهو أحد مؤسسي مجموعة "مسلمون من أجل ترمب"، التي كانت نشطة في بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن، قوله إن "جهودنا في حشد المجتمع أظهرت أن الأميركيين المسلمين لم يعد يُنظر إليهم على أنهم أصوات مضمونة، وقد اعترف ترمب بدورنا، ونحن مستعدون للعمل مع إدارته للدفاع عن السياسات التي تدعم السلام والوحدة".

كما نقلت عن النائبة الديمقراطية عن ولاية جورجيا رواء رمان، وهي أميركية من أصل فلسطيني، قولها: "لقد حاولنا تحذيرهم، لكني أعتقد أنهم كانوا يعتقدون أننا كنا نختلق الأمر من أجل جذب الانتباه فقط". 

ووفقاً لـNBC News، فإن الديمقراطيين ليسوا مستعدين لإلغاء هذه الكتلة التصويتية من قاعدتهم الانتخابية، ويأملون أن تكون نتائج انتخابات الثلاثاء، ناتجة عن لحظة سياسية معينة، وبالتالي يمكن تغييرها في المستقبل. 

ونقلت عن عبد الله حمود، وهو عمدة ديربورن الديمقراطي، والذي رفض تأييد هاريس، قوله إن نتائج الانتخابات تُظهر أنه لا ينبغي لأي من الحزبين أن يأخذ دعم مجتمع المسلمين على أنه أمر مُسلم به.