بعد أن خطّطت وكالة الفضاء الأميركية لإرسال 4 رواد فضاء حول القمر أواخر عام 2024، سرعان ما اتخذت قرارا بتأجيل الرحلة إلى سبتمبر 2025 لمشاكل فنية.
يأتي ذلك في ظل أحدث جولة من التأخيرات التي أعلنتها "ناسا" مؤخرا، حيث تم تأجيل أول هبوط بشري على سطح القمر منذ أكثر من 50 عاما، إلى الفترة من 2025 إلى 2026، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
ويظل هبوط 12 شخصًا على سطح القمر أحد أبرز إنجازات "ناسا"، إن لم يكن أعظمها، حيث قام رواد الفضاء في بعثات أبولو في الستينيات والسبعينيات بجمع الصخور، والتقاط الصور، وإجراء التجارب، وزرع الأعلام، ثم عادوا إلى منازلهم.
وعلى الرغم من ذلك، فإن السباق إلى الفضاء لا يزال موضوعا حيويا، خصوصا أن الولايات المتحدة تلعب دورا رئيسيا فيه.
ولا يزال هناك تنافس اقتصادي وتقني مهم في سباق الفضاء، مع دخول لاعبين جدد مثل الصين والهند، إلا أن محللين وخبراء أكدوا أن الولايات المتحدة تبقى الرائدة في مجال الفضاء، مع وجود وكالة "ناسا" وشركات خاصة مثل "سبيس إكس" و"بلو أوريجين" التي تعمل على تطوير تكنولوجيا الفضاء واستكشافه.
ومن هنا، تبرز تساؤلات عدة، لعلّ أهمها: أين تقف الولايات المتحدة في حرب الفضاء حاليا وهل تغيرت موازين القوى فيه؟
سيطرة أميركية
في السياق، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية البروفيسور الدكتور جمال الشلبي إنه يشك بتراجع الولايات المتحدة في موضوع الفضاء الخارجي لصالح الهند والصين وروسيا.
وأكد الشلبي الذي يعدّ من المختصين في الصراعات السياسية الدولية في حديثه لمنصة "" أن الولايات المتحدة دولة عظمى وهي الرقم واحد على المستوى السياسي وتملك حق النقض الفيتو وهي المحرك الأساس في مجلس الأمن، وما زالت تلعب في ظل نظام أُحادي القطبية تسيطر عليه منذ انتهاء حقبة الاتحاد السوفياتي.
وأوضح أن أميركا هي رقم واحد اقتصاديًا وتملك ناتجا محليا إجماليا يقارب من 23 تريليون دولار على عدد سكان لا يتجاوز 400 مليون نسمة، في مقابل الصين التي تقبع في المركز الثاني ويسكنها 1 مليار ونصف نسمة قريباً ودخلها القومي لا يزيد عن 19 مليار دولار.
وعد الشلبي أن الولايات المتحدة تملك قوة عسكرية ضاربة مع وجود 800 بارجة وقاعدة عسكرية أميركية حول العالم، وبالتالي فإنه من الصعب "أن نتخيل أن تكون رقم 2 في أي صراع أو صدام في الفضاء".
وأشار إلى أنه من بين 195 دولة حول العالم، هناك فقط 4 دول هي التي تسيطر على الفضاء أو تحاول أن تغزو الفضاء أو تجعل منه أداة من أدوات إبراز النفوذ والقدرة على الانطلاق إليه من الأرض أولا، والبحث عن مصادر دخل ومصادر ثروات جديدة بالإضافة إلى استخدام هذا الفضاء من أجل خدمة القضايا العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية.
وقال الشلبي: "بالتالي هذا الصراع موجود وقائم بين القوى العظمى، ولكن بالتأكيد أن أميركا هي رقم واحد تليها روسيا وثم الصين وبعد ذلك الهند التي بدأت مهماتها الفضائية حديثا".
لا منافس لأميركا
وبات الفضاء ساحة للتنافس العسكري والتكنولوجي في الوقت الذي تحتاج فيه واشنطن إلى تطوير نهجها للحفاظ على تفوقها فيه.
ويرى المحلل الإستراتيجي الدكتور بدر الماضي أن الولايات المتحدة لن تتراجع لصالح الدول التي يمكن أن تنافسها في هذا المجال (الصين والهند وروسيا).
وعلّل الماضي في تصريحات لمنصة "المشهد" السبب بأن الولايات المتحدة إذا كانت تعتقد بأن السباق الفضائي والوصول إلى الفضاء هو جزء من قوتها وجزء من سياسة النفوذ التي تنتهجها حول العالم، فإنها لن تسمح بالمزاحمة ولا المنافسة التي يمكن أن تجعلها مستوية للدول الأخرى أو أن تعمل على تحديدها في هذا المجال.
وأضاف "أعتقد وبقوة أن الولايات المتحدة طالما ترى أن السباق الفضائي أو سباق التسلح الفضائي ما زال يخدم المصالح الإستراتيجية لها، ستستمر في ذلك وستكون حقيقة دائما متفوقة".
واعتبر أن هناك تفوقا تكنولوجيا واضحا لدى الدول الأخرى وهناك كثير من التطور التكنولوجي، لكن الولايات المتحدة دائما قادرة على أن تكون مميزة في هذا المجال بسبب ما هو موجود بالأصل من أساس لموضوع التفوق التكنولوجي والفضائي لديها.
وقال الماضي "حتى إن كان هناك محاولات لعمل هذا التوازن من قبل الدول الأخرى مع الولايات المتحدة، لا أعتقد أنه سيغير قوانين وموازين القوى العالمية في التأثير والبعد الإستراتيجي".
ويرى أن السبب في ذلك يكمن في أن الولايات المتحدة ما زالت بعيدة بخطوات كبيرة جداً عن باقي الدول كما أن روسيا والصين والهند ليس في وارد أن تنافس أميركا أو أن تحاول إزاحتها عن عرش التفوق والنفوذ حول العالم.
موازين القوى في الفضاء
وحول ترتيب القوى، فإنه وفق الشلبي من مقومات القوة المالية والاقتصادية التي تغذي وتمول الرحلات الفضائية طويلة المدى والتي تحتاج إلى أجهزة إلكترونية متخصّصة بالإضافة إلى وضع ميزانيات كبرى.
وفي هذا الصدد، قال "نحن نعلم بأن العالم يعيش أزمات كبرى على الأرض مثل الحرب الأوكرانية الروسية وحرب غزة وأزمة المناخ وأزمة الطاقة والغذاء لذلك فإنه ليس بالسهل أن تغزو الفضاء".
واعتبر أن غزو الفضاء والسيطرة عليه يعدّ من المشاريع التي تعكس الطموح الدولي للدول الكبرى في الاستفادة من قدراتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية وإبراز القوة والاستفادة مما يقدمه هذا الفضاء.
ولفت الشلبي إلى أن "هناك الكثير من الدراسات تُثبت أن بعض الكواكب لديها إمكانات للحياة من ناحية ولديها ثروات هائلة قد تدر على كل شخص ربما يُصبح دخله الشهري والسنوي مليون أو مليوني دولار وهذا الأمر يدفع الدول جميعها بأن تحاول استغلال الإمكانات المتاحة في هذا الفضاء".
وأضاف: "كل دولة من الدول الأربعة أصبح لديها قواعد في هذا الفضاء وسيادة مثل الموجودة في الأرض. وهي تؤكد أنه في الوقت القريب سيكون هناك سيادة في الفضاء على مسافات محددة".
تطوّر هائل
ولفت الشلبي إلى أن العالم يشهد اليوم تطورا هائلا بالفضاء لا يقتصر على مركبات فضائية فقط وتثبيت قواعده هناك، بل إن هناك صواريخ مختصة في ضرب هذه القواعد.
ويعتقد الشلبي أن روسيا لديها هذه الإمكانات كما الهند والصين، وهو أمر يهدّد الحضور الأميركي وسيادته على الفضاء.
وتابع قائلا: "ربما يتم التوافق بين هذه الدول الأربعة مرحلياً للوصول إلى ميثاق شرف أو قواعد وقوانين تضبط التحركات والسيادات على الفضاء".
وقال الماضي إنه لا يوجد تغيير في موازين القوى والولايات المتحدة استطاعت أن تفرض نفسها ومشروعها ونموذجها من خلال مشروع متكامل وليس فقط في المجال الفضائي ولكن في شتى المجالات الثقافية والعلمية التكنولوجية والصناعية.
واعتبر أن الدول الأخرى ما زالت غير قادرة على أن تُكمل مشروعها حتى وإن تفوقت في جزئية هنا أو هناك لكنها ما زالت غير قادرة على حمل مشروع كامل متكامل وغير قادرة على التفوق على المشروع الأميركي الذي ما زال مسيطراً حول العالم.
(المشهد)