سوريا اليوم تقف عند مفترق حاسم في تاريخها، إذ تواجه مرحلة مصيرية تتراوح بين احتمالات قيام دولة قادرة على النهوض وفق مشروع وطني شامل، أو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والصراع الداخلي.

هذه المرحلة تتطلب من جميع الأطراف المعنية اتخاذ قرارات حاسمة، خصوصًا في ما يتعلق بمؤسسات الدولة، وأبرزها الجيش السوري، الذي يبقى أحد أبرز العوامل المؤثرة في مستقبل البلاد.

الباحث السياسي طارق عجيب يسلط الضوء على أهمية الجيش السوري كركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ففي تصريحات له، يرى أن "الجيش السوري هو عامل رئيسي لاستقرار سوريا"، مشيرًا إلى ضرورة الحفاظ عليه وإعادة هيكلته بطريقة تساهم في خدمة البلاد.

من جانبه، ينبه الأكاديمي والبرلماني السابق محمد حبش إلى أن "الاعتراف بمعاناة الشعب السوري جراء الأعمال الدموية والقمع بعد 13 عامًا من الظلم" يفرض مسؤولية كبيرة على الجميع في حماية وحدة البلاد، مشيرًا إلى ضرورة "تمسك الشعب السوري بالدفاع عن وطنه" أمام التحديات القادمة.

الحديث عن مستقبل الجيش السوري يظل محوريًا في النقاش بشأن الحلول الممكنة في سوريا. عجيب يؤكد على "أهمية الحفاظ على الجيش كعامل رئيسي لاستقرار سوريا"، ويشدد على ضرورة إعادة هيكلته بما يخدم مصلحة البلاد دون أن يتم "حل الجيش" كما قد يطالب البعض.

في المقابل، يشير الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد الزغول إلى ضرورة أن "تقوم سوريا الجديدة على مفهوم السيادة الوطنية والاستقلال" مع التخلص من الأذرع المسلحة غير الجيش الوطني، مؤكدًا على أهمية "الحفاظ على مؤسسات الدولة" ومؤسسة الجيش باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من السيادة الوطنية.

أحد أكبر التحديات التي تواجه سوريا في المرحلة المقبلة هو التعددية الدينية والثقافية في المجتمع السوري، والتي تفرض ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية. محمد حبش يلفت الانتباه إلى "إدراك تنوع الثوار الذين ينتمون إلى خلفيات دينية وثقافية متباينة"، مما يتطلب بذل جهود إضافية لتعزيز "الوحدة والتفاهم" بين جميع مكونات المجتمع السوري.

الزغول بدوره يرى أن "مسألة تعريف الهوية الوطنية في سوريا" أصبحت ذات أهمية كبيرة، مشددًا على ضرورة أن يكون هذا التعريف قائمًا على "مبدأ المواطنة وحقوق متساوية لجميع المواطنين"، لضمان تجنب الأزمات والصراعات الطائفية والعرقية.

حكومة وحدة وطنية

في سياق هذه التطورات، يبرز بشكل واضح اقتراحات بضرورة تشكيل "حكومة وحدة وطنية" تضم جميع الأطراف السورية.

الباحث طارق عجيب يرى أن "التنسيق مع الحكومة الحالية" سيكون خطوة هامة على طريق الانتقال إلى "حكومة جديدة متفق عليها"، في حين يعتقد الزغول أن الحل يحتاج إلى "مشاركة الجميع في الحلول" بما يضمن توزيع السلطة والموارد بين جميع المواطنين، من دون تكرار سياسات النظام السابق التي كانت تهمش الهويات المختلفة.

الباحث أعلية العلاني يضع أمام السوريين خيارين أساسيين: إما الدخول في فوضى نتيجة التنوع الطائفي داخل الجيش، أو بناء مؤسسات أمنية وعسكرية موحدة.

ويؤكد على أهمية أن يعمل الجميع على تأسيس "مؤسسة عسكرية للمرحلة القادمة" بدلاً من إفساح المجال للفوضى. كذلك، يرى أن "التوافق حول إنشاء حكومة وحدة وطنية" يشمل ضرورة الاتفاق على هوية الدولة من خلال "دستور مؤقت يحددها كدولة مدنية".

سوريا أمام مفترق حساس في المرحلة المقبلة، يتطلب الحفاظ على الاستقرار الوطني إرساء قاعدة صلبة من الوحدة الوطنية والسيادة. إن تحديد دور الجيش السوري وإعادة هيكلته، بالإضافة إلى ضمان حقوق جميع المكونات السورية، يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف. سواء من خلال الحفاظ على مؤسسات الدولة أو من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة، فإن هذه المرحلة تتطلب قيادات حكيمة قادرة على تجنب الفوضى وبناء سوريا جديدة قائمة على أسس من المواطنة والمساواة..