سما نيوز - متابعة

في تطور غير متوقع، شهدت الليرة السورية تحسنا ملحوظا في قيمتها خلال الشهرين الماضيين، إذ ارتفعت بنسبة 64%، لتصل إلى 10,000 ليرة للدولار في السوق الموازية، مقارنة بـ 13,200 ليرة في نشرة البنك المركزي.

هذا التحسن المفاجئ يطرح تساؤلات عميقة حول أسبابه، ومدى استدامته، وما إذا كان يعكس إصلاحات اقتصادية حقيقية أم مجرد نتيجة لظروف طارئة في السوق.

أسباب التحسن بين العوامل الاقتصادية والإجراءات الحكومية

بحسب تصريحات المستشار الاقتصادي أسامة القاضي، خلال حديثه لبرنامج "بزنس مع لبنى" على قناة سكاي نيوز عربية، فإن التحسن الأخير في سعر الصرف يعود إلى عدة عوامل، بعضها مؤقت، وأخرى ذات تأثير محدود، ومن أبرز هذه العوامل:

شح السيولة في الأسواق: قامت الحكومة بتقليل ضخ العملة المحلية، ما أدى إلى تراجع حجم الليرات المتداولة، وبالتالي قلَّ الطلب على الدولار في بعض الفترات.

تشديد الرقابة على المضاربات: ألزمت الحكومة مكاتب الصرافة بإيداع 5 ملايين دولار في البنك المركزي، ما حدَّ من المضاربات العشوائية.

عودة المغتربين السوريين: تزامن التحسن مع عودة المغتربين خلال موسم العطلات، حيث زاد الطلب على الليرة لتغطية النفقات المحلية.

رفع الحوالات الخارجية: ارتفعت قيمة الحوالات الخارجية لتصل إلى 10 ملايين دولار يوميًا، مما زاد من المعروض النقدي من الدولار.

لكن القاضي حذر من أن هذا التحسن لا يعكس تحسنًا اقتصاديًا حقيقيًا، بل قد يكون قصير الأجل، حيث لم تُتخذ أي إجراءات إصلاحية هيكلية تضمن استقرار الليرة على المدى البعيد.

زيادة الرواتب بنسبة 400 بالمئة.. هل هي خطوة في الاتجاه الصحيح؟

في خطوة غير مسبوقة، أعلنت الحكومة السورية الجديدة عن زيادة رواتب القطاع العام بنسبة 400 بالمئة، في محاولة لتعويض التدهور الحاد في القوة الشرائية. إلا أن هذه الخطوة تثير مخاوف اقتصادية واسعة، خصوصًا فيما يتعلق بمصدر التمويل وتأثيرها على التضخم.

يرى أسامة القاضي أن زيادة الرواتب قد تؤدي إلى نتائج عكسية إذا لم يُقابلها ضبط للأسعار وتحفيز اقتصادي حقيقي.

ويضيف قائلا ان رفع الرواتب في ظل نقص الموارد سيؤدي إلى طباعة المزيد من العملة، وهو ما قد يخلق موجة تضخمية جديدة تفوق نسبة 100 بالمئة خلال الأشهر المقبلة. كما أن القطاع العام يمثل فقط 30 بالمئة من القوى العاملة، بينما يظل ثلثا العاملين في القطاع الخاص دون زيادات مماثلة، ما يعمق الفجوة بين الأجور والأسعار.

العجز المالي يهدد الاقتصاد

تواجه الحكومة السورية عجزًا ماليًا يقدر بـ 5 تريليون ليرة سورية حوالي 500 مليون دولار، ما يجعل تمويل زيادات الرواتب تحديًا كبيرًا. ومع تأخر دفع رواتب الموظفين في بعض الجهات الحكومية، يزداد الشك حول قدرة الحكومة على الوفاء بتعهداتها دون اللجوء إلى المزيد من الاقتراض الداخلي أو طباعة العملة، وكلا الخيارين يحملان مخاطر اقتصادية جسيمة.

مستقبل الاقتصاد السوري: بين التحديات وفرص التعافي

رغم هذه التحديات، هناك مؤشرات على اهتمام دولي بإعادة إعمار سوريا، حيث قدرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة الإعمار بـ 400 مليار دولار، مع الحاجة إلى 36 مليار دولار كاستثمارات عاجلة لتحفيز التعافي الاقتصادي.

مشاريع إعادة الإعمار المحتملة:

مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية.

إطلاق صناديق استثمارية لجذب المغتربين والمستثمرين الدوليين.

خطة الأمم المتحدة لإنشاء صندوق التعافي المبكر لدعم البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية.

لكن التحدي الأكبر يكمن في تأمين التمويل، إذ تحتاج سوريا إلى استثمارات سنوية تتراوح بين 10-15 مليار دولار على مدى الـ 20 عامًا المقبلة لإعادة تأهيل الاقتصاد.

هل يمكن تحقيق الازدهار الموعود؟

يرى أسامة القاضي أن سوريا يمكنها استعادة الاستقرار الاقتصادي، لكن بشروط صارمة، أبرزها:

1. الإصلاحات الهيكلية: تحرير الاقتصاد وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد.

2. جذب الاستثمارات الأجنبية: من خلال تحسين بيئة الأعمال والقضاء على الفساد.

3. الحد من الاعتماد على طباعة النقود: والبحث عن تمويل أكثر استدامة.

وفي ظل هذه التحديات، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة اتخاذ قرارات اقتصادية جريئة تضع البلاد على طريق التعافي، أم أن الأزمة ستتفاقم في الأشهر المقبلة؟