بدأت الدول الغربية في اتخاذ إجراءات أكثر حدة من أجل تقييد استخدام شبكة التواصل الاجتماعي الصينية "تيك توك" في المؤسسات الحكومية والرسمية، بسبب مخاوف تتعلق باستغلال بيانات المستخدمين بشكل غير قانوني.

التطبيق المملوك لشركة "بايت دانس"، ظهر إلى العلن قبل نحو 7 أعوام، حيث أطُلق في الصين فقط تحت اسم "دوين-Douyin" ولاقى رواجا واسعا بين المستخدمين، ليتم بعد أقل من عام إطلاقه خارج الصين. وفي نهاية 2017، استحوذت "بايت دانس" على تطبيق "ميوزكلي" المنافس وتقرر دمج مستخدميه في تطبيق "تيك توك".

وذاع صيت شبكة التواصل الاجتماعي الصينية بشكل واسع خصوصا ما بين المراهقين خلال فترة الإغلاق العام العالمي نتيجة جائحة فيروس كورونا في عام 2020، ليتحول بعد ذلك إلى وجهة للعديد من المستخدمين حول العالم، مع تزايد الزخم حول مقاطع الفيديو القصيرة.

وحتى يناير الماضي، تجاوز عدد المستخدمين النشطين لتطبيق "تيك توك" نحو مليار شخص حول العالم، ليحل في المرتبة السادسة بين منصات التواصل الاجتماعي الأكثر رواجا، فيما تصدر خلال عام 2022 تطبيقات التواصل الاجتماعي الأكثر تنزيلا حول العالم بنحو 672 مليون عملية تنزيل على الهواتف والأجهزة المحمولة.

تصعيد الحرب الغربية

بعد مرور شهرين على القانون الذي وقعه الرئيس الأميركي جو بايدن، والذي يقضي بحظر تنزيل واستخدام تطبيق "تيك توك" على أجهزة موظفي الحكومة الفدرالية، أبلغت المفوضية الأوروبية الخميس الماضي، موظفيها أنه تقرر حظر شبكة التواصل الاجتماعي الصينية على الأجهزة المستخدمة للعمل.

ليتبع الإجراء نفسه البرلمان الأوروبي الذي كشف أمس الثلاثاء، عن تطبيق حظر استخدام التطبيق الصين اعتبارا من 20 مارس الجاري.

وهذا الأسبوع، أمر البيت الأبيض الوكالات الفدرالية بأن تحظر في غضون 30 يوما "تيك توك" على هواتفها وأجهزتها بسبب مخاطر تتعلق بالأمن القومي، حيث أكد خبراء في الأمن السيبراني والمعلوماتي تحدثوا لمنصة ""، أن تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي كافة يمكنها الوصول إلى معلومات المستخدمين، ما تمثل تهديدا على موظفي الجهات والمؤسسات الحكومية، كما يمكن استخدامها هذه البيانات في هجمات سيبرانية محتملة.

واعتبر خبير الأمن السيبراني الكويتي محمد الرشيدي خلال حديثه مع منصة "المشهد" أن التطبيق الصيني يشكل تهديدا على بيانات المستخدمين، قائلا: "الشركة المالكة للتطبيق كانت قد اعترفت بقدرة موظفيها في الصين على الدخول إلى حسابات المستخدمين والحصول على بيانات حساسة من أجهزتهم (..) تيك توك يمثل تهديدا للمعلومات ذات الطبيعة السرية والحساسة بالنسبة للدول الغربية، خصوصا إذا كان المستخدم موظفا حكوميا كبيرا ويحمل بعض المعلومات التي تنضوي تحت صفة السرية".

وخلال العام الماضي، قالت "بايت دانس" في مذكرة نقلتها وكالة "بلومبيرغ" إنها أجرت تحقيقا حول قيام موظفين بالوصول إلى بيانات تتعلق بمستخدمين في إطار محاولة فاشلة لتسريب معلومات الشركة، لكن في السياق نفسه نفى الرئيس التنفيذي لشركة "تيك توك" شو زي تشو، ما يتداول من اتهامات حول مشاركة المعلومات الخاصة بالمستخدمين مع الحكومة الصينية.

ويقول خبير أمن المعلومات من الأردن رمزي الريحاني في حديثه مع منصة "المشهد": "المنصات كافة لها حق الوصول إلى البيانات الخاصة بالمستخدمين، وذلك يتضح من خلال سياسات الخصوصية الخاصة بكل منصة (..) وعلى الرغم من أن تيك توك لا يهدد بيانات المستخدمين الخاصة بشكل مباشر، لكنها مثل باقي الشبكات الاجتماعية تمتلك الحق من استخدام بيانات المستخدمين الكمية والنوعية في استهداف الحملات الإعلانية ومؤشرات قياس الأداء".

وحول الحظر على الأجهزة الحكومية فقط، يؤكد خبير الأمن السيبراني الكويتي أن الأجهزة الحكومية تتضمن معلومات سرية يمكن أن تشكل خطرا على الأمن القومي، وذلك على خلاف الأجهزة الشخصية، مشيرا إلى أن الدول الغربية منح المستخدمين الحرية في استخدام أو حذف التطبيق الصيني.

ولا تعتبر هذه الخطوة، هي الأولى من نوعها التي تتبناها الولايات المتحدة ومن بعدها الدول الغربية، حيث كان في عام 2020، محاولة أميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب لحظر التطبيق الصيني بشكل كامل، بداعي استغلال بيانات المستخدمين لخدمة أجندة الصين، لكن لم يتم المضي قدما بعد رحيل ترامب.

وعلى غرار الحظر في الجهات الحكومية، يُكثف أعضاء "الكونغرس" الجمهوريين جهودهم من أجل حظر التطبيق بشكل كامل في الولايات المتحدة، إذ نقل موقع "آكسيوس" الأميركي عن مشرعين قولهم إن قانونا طرح أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب يُخفف القيود المفروضة على قدرة الرئيس الأميركي على تنظيم أو حظر واردات "المواد الإعلامية" بما يخوله لحظر تيك توك أو أي تطبيقات برمجية تهدد الأمن القومي.

وخلال الشهر الجاري، من المقرر أن يدلي الرئيس التنفيذي لشركة "تيك توك" بشهادته أمام لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب، وسط تجاذب بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن تشريعات محتملة من كليهما لتقييد شبكة التواصل الاجتماعي الصينية.

خطوة عربية مماثلة

ولم يستبعد الخبراء في حديثهم مع منصة "المشهد"، أن يكون هناك خطوات مماثلة من دول عربية خلال الفترة المقبلة فيما يتعلق بحظر استخدام وتنزيل التطبيق الصيني على الأجهزة الحكومية أو أجهزة كبار الموظفين.

ويقول الرشيدي: "في الحرب الإلكترونية والسيبرانية الدائرة في العالم حاليا، من يملك المعلومات يملك الأفضلية"، مضيفا: "يجب أن يكون هناك إجراءات لحماية أمن الدول العربية السيبراني (..) الحرب الإلكترونية للسيطرة على المعلومات والبيانات تزداد حدتها (..) وعلى الموظفين الذين يعملون في أماكن حساسة أخذ الحيطة والحذر من استخدام هذه التطبيقات، حتى لا يمكن الوصول إلى معلومات ذات طبيعة سرية أو معلومات شخصية يمكن استخدامها لإتمام هجمات سيبرانية كبرى على الأنظمة الحكومية".

وتابع خبير الأمن السيبراني الكويتي قائلا: "يجب اتخاذ إجراءات واضحة لحظر هذه البرامج والتطبيقات على أجهزة موظفي الجهات الحكومية الحساسة".

بدوره يقول الريحاني: "من الممكن أن يتم حظر التطبيق الصيني بشكل كامل في البلدان العربية ولن يقتصر ذلك على الموظفين في بعض الجهات الحكومية، كما هو الحال في المملكة الأردنية الهاشمية".

وتكافح شبكة التواصل الاجتماعي الصينية منذ أشهر من أجل إقناع السلطات الأردنية لإلغاء الحظر المفروض عليها، بعد اتهامه بنشر فيديوهات "تحرض على القتل والفوضى" خلال الاحتجاجات التي شهدتها المملكة في ديسمبر الماضي على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات.

وفي لقاء أجرته قناة "المشهد" مع وزير الاتصال الحكومي الأردني فيصل الشبُول، فبراير الماضي، اتهم الوزير "تيك توك" بإلحاق أضرار ببلاده غير محدودة في فترة زمنية قصيرة"، قائلا إن "المنصة الصينية لم تلتزم بحذف حسابات تستهدف الأردن".

ويضيف رمزي الريحاني: "بشكل عام جميع البيانات المتناقلة والمتبادلة بين المستخدمين في تطبيقات التواصل الاجتماعي، تمثل أهمية خاصة (..) ومن المهم على البلدان العربية دراسة التطبيقات المنتشرة عبر المتاجر الإلكترونية وتقييمها وفق معايير محددة تستند على تحليل تجربة المستخدم ونوعية البيانات المتناقلة بين المستخدمين الشركة المالكة للتطبيق".

وتابع: "على الحكومات أن تقوم بإنشاء وحدات متخصصة بضبط جودة التطبيقات الإلكترونية أو ما يعرف بـ Quality Assurance، وذلك للتواصل مع مطوري التطبيقات وطلب مصدر الأكواد المستخدمة لمعرفة الجوانب الإيجابية والسلبية به، أو الحصول على هذه البيانات بشكل معياري كاتفاق يتم على أساس إعطاء المصداقية لهذه التطبيقات من قبل السلطات الرسمية".

وتتعرض شبكة "تيك توك" لانتقادات واسعة في الأوساط العربية، حيث يستنكر البعض المحتوى الذي يُبث من خلالها، ويتهمونها بنشر "العنف" و"الأفكار غير المتوافقة مع تقاليد المجتمعات"، على الرغم مما تشير إليه عبر موقعها الإلكتروني تحت بند "إرشادات المجتمع"، حول التزامها بالحفاظ على بيئة داعمة للمجتمع، وأن "هذه الإرشادات تؤسس مجموعة من الأعراف وقواعد السلوك المشتركة التي من شأنها أن توفر مساحة آمنة ومضيافة للجميع".

الخوارزميات الأكثر تطورا

وحول الانتشار الواسع للتطبيق الصيني حول العالم وتفوقه على العديد من شبكات التواصل الاجتماعي الأميركية الشهيرة مثل "إنستغرام"، يقول الرشيدي إن خوارزميات تيك توك تختلف عن خوارزميات "فيسبوك" و"إنستغرام" و"سناب شات" وغيرها من المنصات، و"تعتبر حاليا أفضل خوارزميات موجودة في العالم، لقدرتها الفائقة على فهم متطلبات وتفضيلات المستخدمين بشكل مستمر حتى تجعلهم البقاء لأطول فترة ممكنة".

وأضاف الخبير في الأمن السيبراني: "من خلال الذكاء الاصطناعي في هذه الخوارزميات المتقدمة، استطاع تيك توك أن يتفوق على تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى (..) وفي الفترة الأخيرة رأينا تطبيقات تحاول أن تستعين بالخوارزميات وأنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها، لكن حتى الآن لم تصل إلى التطور والتفوق الذي وصلت إليه شبكة التواصل الاجتماعي الصينية".

وتشير شبكة "تيك توك" عبر موقعها الإلكتروني إلى أن خوارزمياتها مصممة على أساس الثقة والسلامة، وأن "بعض المحتوى، قد تقلل من إمكانية اكتشافه، بما يشمل إعادة توجيه نتائج البحث، أو جعل مقاطع الفيديو غير مؤهلة للتوصية بها في ذلك المقاطع المخصصة للمستخدمين".

من جهته، يقول خبير أمن المعلومات الأردني: "خوارزميات تيك توك تعتمد على التفاعل مع المقاطع التي تظهر أمام المستخدمين، وبناء على ذلك يستجيب الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر معه في كل مرة يستخدم التطبيق. لذا فهي تختلف تماما عن غيرها من المنصات الأخرى". 

(المشهد)