اعتادت أجهزة الكمبيوتر في العقود الماضية على تيسير الوظائف الرتيبة، ولكن جاء الذكاء الاصطناعي في الأعوام الأخيرة ليقتحم بعض المهن البراقة، وعلى رأسها ما يفعله نجوم "هوليوود".
في 8 نوفمبر الجاري، وافقت منصات الإنتاج السينمائي الأميركية على مطالب نجوم الصناعة المُضربين، بحمايتهم من منافسيهم "الآليين".
بمتابعة لائحة الأغاني الأكثر انتشارا هذا الأسبوع، فإن الأعمال الفنية التي يقدمها نجوم أحياء قد دُفعت إلى الأسفل عن طريق عمل فني ابتكره الذكاء الاصطناعي لصوت أحد الأفراد الراحلين من فرقة الغناء الشهيرة "بيتلز".
لتفادي ذلك في مجال التمثيل، فإن نجوم مثل سكارليت جوهانسون ومؤلفين مثل جون غريشام لا ينوون التراجع إلى الوراء في نيتهم لمقاضاة أي منصات برمجية قد تقوم باستعمال صورهم أو صوتهم أو حديثهم بشكل غير قانوني.
ويخشي هؤلاء النجوم من أن تنجح تقنيات الذكاء الاصطناعي في سرقة أعمالهم، وأن تمنح مؤدين آخرين أقل موهبة، المهارات الكافية لخطف جماهيرهم ومتابعيهم.
هل يمكن للنجوم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟
ونشر موقع"ذا إيكونوميست" تقريرا من عدد المجلة لشهر نوفمبر 2023، عن تأثير الذكاء الاصطناعي المُتوقع على مدى توهج صانعي الفن، وما إذا كان بإمكانهم الاستفادة من هذه التقنيات لزيادة ابداعاتهم، بدلا من إبراز تخوفاتهم من أن تسرق منهم الأضواء.
ويقول التقرير: "في الواقع، أكثر هؤلاء القوم شهرة الذين يشتكون من التقنيات الجديدة، هم أكثر من يمكنهم الاستفادة".
ويضيف التقرير أن تقنيات الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يحوّل أكبر النجوم والمشاعر إلى شعبية وجماهيرية أكبر مما قد حصدوه قبلا.
ويمكن لهذه التقنيات أن تتيح لهم أن يقتحموا عددا أكبر من الأسواق، وأن يظهروا بصيغ وصور مختلفة، وفي كل الأوقات.
لعبة الشهرة
الحديث عن تأثير التكنولوجيا على شهرة النجوم والشخصيات العامة والفنانين هو أمر يتواجد على مدار العقود، وفي كل مرحلة، تتغير فكرة "النجم" أو "الشخص المشهور".
فخلال القرن الـ18، بدأت فكرة الشهرة من خلال كُتاب موهوبين تنتشر أعمالهم، وتنتشر أسماؤهم بين العامة.
ثم ظهرت فكرة الأفلام والبرامج الإذاعية، والتي بدت للبعض أنها قد تهدد "نجومية" من كانوا يعتلون القمة في تلك الفترة، ولكن كانت تلك بداية عصر جديد لنجومية من نوع آخر، أو ما أُطلق عليه "سوبر ستار" في عشرينيات القرن الماضي.
ثم ظهر اختراع التلفزيون في 1960، والذي خلق ضجة مشابهة، ولكنه تسبب في ضربة النجومية القوية التي تتمتع بها "هولييود" منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وأصبح نجوم السينما يظهرون في كل منزل وكل غرفة من خلال هذا الاختراع العجيب، ليظهر مصطلح الـ "ميغا ستار".
عصر الانتشار
مع كل أعجوبة جديدة في هذا الزمان، تظهر المخاوف من التأثير السلبي على صناعة الفن واندثار المواهب، ولكن في كل مرة تأتي النتائج لتكون عكسية ضد التوقعات، وبشكل إيجابي للغاية.
فالأعمال الغنائية صارت رابحة بشكل أكبر من خلال استخدام منصات مثل "يوتيوب" و"تيك توك" و"سبوتيفاي" وغيرها من المنصات، ومن كان يجني 1000 دولار سنويا أصبح يجني ضعف هذا الرقم، أما هؤلاء من كانوا يجنون ما يقارب 10 ملايين دولار سنويا، فقد تضاعفت عوائدهم إلى 5 أضعاف مع استخدام التكنولوجيا الحديثة بذكاء.
الأمر ينطبق على جميع الأعمال الفنية، مثل الأفلام والمسلسلات، فقد تضاعفت أعداد المنتجات في سوق السينما خلال العقدين الأخيرين.
وكذلك لدى الكُتاب، فإن هؤلاء الذين يقومون بإنتاج كتاباتهم الذاتية، لم يؤثروا بالسلب على نجوم الكتابة وأصحاب أفضل المبيعات، لأن في النهاية، كل ما يحتاجه المُتلقي والمستهلك هو بحر كبير من الخيارات بأذواق مختلفة وترشيحات متعددة، وفي النهاية يحدد المُتلقي ما يناسبه.
وبالحديث عن الذكاء الاصطناعي، فلا يمكن التخوف بقدر ما يمكن الإيمان بأن تقنياته ستجعل الانتشار أكثر سهولا إذا تم الاستغلال بذكاء وبطريقة سليمة.
ستمنح تلك التقنيات هؤلاء النجوم المبهرين الفرصة للظهور بشكل معتاد وفي كل مكان ممكن أمام جماهيرهم، فتقنيات الذكاء الاصطناعي القادرة على تحويل شكل الأشخاص إلى هيئة مُتكلمة، وتركيب الأصوات، أصبحت متوافرة بكثرة، مما يمنح الممثلين ومقدمي برامج الـ"بودكاست" الفرصة للحديث لقواعد جماهيرية أجنبية وبلغات لم يعهدوها، وبنفس نبرة صوتهم.
هذا ما أطلقت عليه "ذا إيكونيميست" عهد الـ "أومنيستار"، وهو المصطلح الذي يرمز إلى الانتشار بلا حدود في كل زمان ومكان.
وربما تتطور التقنيات في وقت قريب، لتمنح المتابعين الفرصة لتعديل مقاطع الفيديو بحيث تتطابق حركة الشفاه مع الحديث المنطوق، وإن لم يكن حقيقيا.
كما أن الذكاء الاصطناعي سيمنح الفرصة للممثلين الذين يقعون تحت الطلب دائما للظهور في أعمال أكثر، مما قد يقضي على المشكلة الأزلية لدى نجوم هوليوود، والمتمثلة في "ازدحام جدول الأعمال".
لن يتوجب على الفنان التواجد في موقع التصوير في أوقات بعينها أو طوال الوقت، بل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصنع هيئته عند الطلب.
وربما تتمكن التقنيات من جعل بعض الفنانين يؤدون أدوارا في بعض الأعمال بعد وفاتهم، مما قد يعود بالفائدة على أحبائه ومن يرثون بعده.
هذا ما أيقنه شركة "ديزني"، والتي كسبت حقوق استعمال صوت الممثل جيمس إيرل جونز، والبالغ من العمر 92 عاما، لذا فيمكن أن تظهر شخصية "دارث فيدر" مستقبلا لتخيف الأطفال.
يمكن للنجوم أن يستفيدوا من ذلك أيضا من خلال الظهور في صيغ مختلفة، مثل المحادثات المُسجلة التي تحمل أصوات المشاهير، والتي أطلقتها شركة "ميتا" مؤخرا، وغيرها من الأفكار التي يمكن لكبار النجوم أن يستفيدوا منها وأن يصيغوها بشكل قانوني دون أن تتم القرصنة على حقوقهم.
مخاوف من الملل
تمتلك تقنيات الذكاء الاصطناعي قدرة عبقرية على إعادة الدمج وتحسين انتاجات قديمة بشكل عصري، ولكنها لا تمتلك القدرة الكاملة على إنتاج أعمال حديثة لها القدرة على شد المتابعين، حيث تظل هذه النقطة حكرا على الموهبة الإنسانية.
ولكن في النهاية، ستبقى الغلبة لم يستطيع أن يستغل أدواته بالشكل الأمثل، فصناعة الترفيه تظل دائما قادرة على تصحيح أخطائها، والمتابعون لديهم القدرة على رفع أسهم النجوم وطي صفحات نجوم آخرين، وفقا لما يقدموه.
ولن يتغير ذلك المبدأ بتدخل الذكاء الاصطناعي، فالمتلقي هو من يحكم في النهاية، ويظل هو المعيار الذي تتحدد على أساسه مسارات صناعات الترفيه المختلفة لإرضائه.
(ترجمات)