ومع انضمام الإمارات إلى مجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة منذ بداية العام، يمكن فهم هذا الانضمام كخطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز موقع الدولة كلاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي المتعدد الأقطاب، وبما يمثل إضافة قوية تعزز التكتل ومستهدفاته الرئيسية.

وطورت الإمارات على مدى العقود الماضية نموذجاً اقتصادياً منفتحاً يعتمد على تشجيع الاستثمار عبر بيئة استثمارية آمنة ومستقرة، ويتجلى ذلك في الحوافز الاستثمارية والتشريعية التي تسهل عمل القطاع الخاص وتفتح الأبواب أمام المستثمرين الأجانب.

ورغم كونها من أكبر منتجي النفط، تبنت الإمارات استراتيجية تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على العائدات النفطية، وقد أصبحت قطاعات مثل التجارة والسياحة والتكنولوجيا تلعب أدواراً رئيسية في دعم النمو الاقتصادي، وبما يعزز توقعات النمو الاقتصادي للدولة.

وجاء انضمام الإمارات إلى "بريكس" كخطوة نوعية لتعزيز التعاون مع الدول الأعضاء في المجموعة، وخاصة في مجالات التجارة والاستثمار والتكنولوجيا. إذ تسعى الإمارات، من خلال عضويتها في هذا التكتل، إلى توسيع نطاق تأثيرها الاقتصادي وتعزيز مكانتها كدولة ذات قوة اقتصادية ناعمة عالمياً، بحسب محللين، شددوا في تصريحات متفرقة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على أن انخراط الدولة ضمن تكتل بريكس يعكس طموحها لأن تكون جزءاً من النظام الاقتصادي المتعدد الأقطاب، وتوسيع دورها كشريك موثوق به في المشهد الاقتصادي الدولي. وفقاً لآراء الخبراء، تشكل الإمارات إضافة نوعية للتكتل بفضل استقرارها الاقتصادي وقدرتها على جذب الاستثمارات.

يأتي ذلك في وقت تتبنى فيه الإمارات رؤية اقتصادية طويلة المدى تتجاوز المرحلة الحالية وتعتمد على خطط طموحة لعقود قادمة. من خلال تطوير بنيتها التحتية وتوسيع مشاريعها في مجالات الذكاء الصناعي والطاقة المتجددة، تسعى الدولة لتعزيز مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.

الاستراتيجية الاقتصادية

يقول المدير التنفيذي لمؤسسة وطني الإمارات، ضرار بالهول الفلاسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • دولة الإمارات نجحت في تبني نموذج الاقتصاد "المنفتح جداً".
  • هذا النموذج يقوم على مرتكزات خلق بيئة استثمارية آمنة ومستقرّة.
  • يتضمن ذلك تقديم حوافز استثمارية وضريبية جذابة (للمستثمرين)، علاوة على التشريعات والتنظيمات التي تٌسهل عمل الشركات والقطاع الخاص.

ويضيف: "الإمارات سعت على مدار العقود الماضية من أجل زيادة تنافسية الاقتصاد المحلي، وذلك عبر عددٍ من الأدوات، من بينها: تطوير البنية التحتية، وفي ضوء استراتيجيات حكومية متكاملة، تسهم في زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية (تنويع الاقتصاد)، علاوة على العمل على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية".

كان من بين الخطوات المهمّة في هذا الاتجاه تعديل القانون الاتحادي بشأن الشركات الأجنبيّة عام 2020، بما سمح للمستثمرين الأجانب بتأسيس شركات وتملّكها بنسبة 100 بالمئة، وعدم إلزام الشركات الأجنبيّة الراغبة بتأسيس فروع داخل الدولة بأن يكون لديها وكيل إماراتي.

وتشير البيانات الرسمية، التي استشهد بها الفلاسي خلال حديثه، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للدولة قد بلغ 430 مليار درهم (حوالي 117.1 مليار دولار) خلال الربع الأول من العام الجاري، ليسجل نمواً ملحوظاً بنسبة 3.4 بالمئة مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2023، فيما حقق الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي خلال الربع الأول من عام 2024 نمواً بلغ 4 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

والشهر الجاري، أعلن البنك الدولي عن توقعات إيجابية للاقتصاد الإماراتي، إذ توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.3 بالمئة في العام 2024، على أن يتسارع بشكل ملحوظ إلى 4.1 بالمئة في العام المقبل 2025.

ويضيف الفلاسي متحدثاً عن استراتيجية الدولة في دعم التحول نحو النموذج الاقتصادي الجديد القائم على التنوع والابتكار:

  • الإمارات تتبنى بناء نموذج اقتصادي مبتكر يخدم رؤيتها المستقبلية.
  • تتبع الدولة استراتيجيات اقتصادية وطنية فعّالة، تركز على تعزيز الانفتاح والشراكات، مع توسيع مجالات تنويع الاقتصاد.
  • النتائج الإيجابية المحققة للاقتصاد الوطني تعزز من الوصول إلى المستهدفات الاقتصادية لرؤية "نحن الإمارات 2031"، ومنها زيادة الناتج المحلي الإجمالي للإمارات إلى 3 تريليونات درهم بحلول العقد المقبل.

العلاقات الخارجية.. وتكتل البريكس

وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية لدولة الإمارات، يقول الخبير اقتصادي، جمال بن سيف الجروان (الامين العام السابق لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج)، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

  • دولة الإمارات العربية المتحدة تتطلع دائماً وأبداً إلى التحالفات ذات النوعية والمؤثرة علي الساحة العالمية.
  • الإمارات بقيادتها الرشيدة وصلت إلى مكانه اقتصادية وسياسة مرموقة ومؤثرة على المشهد العالمي، ويتم أخذ رأيها في عملية تطوير العمل والتعاون الاقتصادي في العالم.
  • أصبح لدولة الإمارات مكانه مرموقة من شرق إلى غرب المعمورة ويؤخد برأيها كلاعب مؤثر في المنطقة.
  • الدولة تسعى من خلال انظمامها كعضو في البريكس إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الدول الأعضاء، بالإضافة إلى توسيع نطاق التعاون في مجالات حيوية مثل التجارة والاستثمار والتكنولوجيا.
  • تعتبر الإمارات مركزاً تجارياً مهماً في المنطقة، وانضمامها إلى بريكس يعكس طموحاتها في أن تكون جزءاً من النظام الاقتصادي العالمي المتعدد الأقطاب.

ويضيف: "الهدف الرئيسي من انظمام الإمارات في منظومة البريكس المميزة هو المساهمة الفعلية في عملية تطوير العمل الاستثماري والتجاري والتكنولوجي والاقتصادي علي المشهد المحلي والإقليمي والعالمي".

في أغسطس 2023، أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، عن دعوة 6 دول جديدة للانضمام إلى مجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة، وهي (الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات) لتصبح أعضاء في البريكس منذ يناير 2024 (انسحبت الأرجنتين لاحقاً بعد فوز الرئيس خافيير مايلي).

وتترأس روسيا مجموعة "بريكس" هذا العام، تحت شعار "تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين".

ومجموعة "بريكس" هي رابطة مشتركة بين عدة دول تم إنشاؤها عام 2006 من قبل البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وانضمت إليها جنوب إفريقيا عام 2011، فيا انضمت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر وإثيوبيا وإيران إلى "بريكس" منذ بداية عام 2024 الجاري.

إضافة قوية

المحلل المالي وعضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد CISI وضاح الطه، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "في اعتقادي أن الإمارات تمثل إضافة اقتصادية حقيقية لتكتل بريكس، بخلاف بعض الدول الأخرى التي أُضيفت لأسباب سياسية"، على حد وصفه.

ويضيف: "إن اختيار الإمارات يتميز بأنه اقتصادي بحت؛ فهي تتمتع باستقرار اقتصادي كبير وتعد نقطة جذب هامة للاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى كونها أكبر دولة تستقطب الاستثمارات الأجنبية في المنطقة.. كذلك استقرار العملة نتيجة ربط الدرهم بالدولار يعزز من قوة الاقتصاد الإماراتي".

ويشدد الطه على أن الإمارات تعتبر من الدول ذات القوة الناعمة عالمياً، وكلمتها مسموعة على الساحة الدولية، وهو ما يجعل جواز السفر الإماراتي قوياً؛ نتيجة للعلاقات الدبلوماسية الواسعة مع معظم دول العالم.

"كما أن هناك تنوعاً اقتصادياً مهماً في الإمارات، حيث نجحت في تقليص مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي. كذلك هناك فرص كبيرة لنمو قطاعي السياحة والعقارات"، وفق الطه الذي يشير إلى توقعات صندوق النقد الدولي بتحقيق الاقتصاد الإماراتي نمو بنسبة 4 بالمئة في عام 2024، مع توقعات بزيادة النمو إلى 4.1 بالمئة في عام 2025.

ويختتم تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بقوله: الإمارات تمثل إضافة نوعية لبريكس، حيث تلعب دوراً بارزاً وستكون لاعباً رئيسياً في هذا التكتل. من الأمثلة على ذلك، استخدام الدرهم الإماراتي في بعض التعاملات التجارية بين الهند وروسيا في تجارة النفط، موضخحً أن الإمارات تتمتع باحترام عالمي ولديها واحد من أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم.

قوة اقتصادية

مدير عام شركة تروث للاستشارات الاقتصادية والإدارية، رضا مسلم، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه:

  • لا يجب أن ننظر إلى دولة الإمارات كقوة اقتصادية فحسب، بل ككيان كامل ودولة مؤثرة (في شتى الملفات والقطاعات).
  • أول ما يتعين أخذه في الاعتبار هو موقعها الجغرافي وبنيتها التحتية القوية.
  • جانب من قوتها ينبع من بنيتها التحتية التي تتميز بجودة فائقة، وحداثة عالية، وتنوع في القدرات.. عندما نلقي نظرة على المطارات، مثل مطار أبو ظبي الدولي، نجد أنه منشأة عالمية ضخمة، وكذلك مطار دبي الدولي الذي يُعد من أكبر المطارات التي توفر رحلات جوية على مدار الساعة لأي وجهة.
  • بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الموانئ، مثل ميناء جبل علي وميناء زايد على سبيل المثال، من المرافق القوية جداً. كما أن قطار الاتحاد الذي ينقل الركاب والمواد الخام، يُعد من أحدث وسائل النقل.
  • الإمارات دائماً تركز على المستقبل، وتضع خططاً تمتد لمئة عام قادمة.

ويستطرد: "كذلك فيما يخص الطاقة؛ فهي من أكبر الدول في العالم من حيث احتياطيات النفط، حيث تنتج حوالي 3 ملايين برميل يويماً، ولديها مصافٍ للتكرير"، موضحاً أن النموذج الاقتصادي لدبي يختلف عن أبو ظبي؛ ففي أبوظبي يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على النفط، بينما دبي تعتمد على التجارة والسياحة والخدمات، حيث تتميز بتسهيلات كبيرة في مجالات الأعمال... أبو ظبي إمارة ثقيلة وقوية بفضل نفطها.

كما تمتلك أبو ظبي ثالث أكبر صندوق سيادي في العالم بأكثر من تريليون دولار أميركي، ما يجعلها ذات مكانة قوية، كما أنها تسعى لاستقطاب العقول البشرية من مختلف أنحاء العالم، وتعمل على تطوير الذكاء الصناعي وتوطينه، وهذا يعزز من مكانة الإمارات كقوة اقتصادية.

ويشار إلى أن إمارة أبوظبي، تصدرت مدن العالم، في تصنيف عالمي جديد، تم نشره الشهر الجاري، للمدن وفقا لرأس المال الذي تديره صناديق الثروة السيادية التابعة لها، أصدرته مؤسسة "Global SWF". وأظهرت النتائج أن عاصمة دولة الإمارات، أبوظبي، هي المدينة الرائدة في إدارة معظم رؤوس أموال صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم، وذلك بفضل أصول تبلغ قيمتها 1.7 تريليون دولار تديرها صناديق الثروة السيادية المختلفة التي تتخذ من عاصمة دولة الإمارات مقرا لها.