مصطفى عيد، محرر في CNBC عربية
تسارع بعض الدول العربية خطاها في مجال صناعة أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية خلال الفترة الأخيرة، خاصة الاقتصادات الأكبر، وعلى رأسها السعودية والإمارات، إضافة إلى مصر؛ من أجل مواكبة التطور العالمي.
ويشهد مجال صناعة الرقائق والذكاء الاصطناعي تطورات متسارعة في الشهور والسنوات الأخيرة وهو ما يتطلب من دول المنطقة العربية اتخاذ خطوات سريعة من أجل اللحاق بهذا السباق الذي قد يمثل التخلف عنه في الفترة المقبلة انقطاعاً عن مرحلة جديدة من العالم الحديث الذي تسوده التكنولوجيا الأعمق وتتحكم فيه.
بلغ إجمالي المبيعات العالمية لأشباه الموصلات 137.7 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري 2024، بزيادة قدرها 15.2% مقارنة بالربع الأول من العام 2023، بحسب بيانات جمعية صناعة أشباه الموصلات الصادرة في شهر مايو/ أيار الماضي.
ونستعرض في السطور التالية أبرز الخطوات التي اتخذتها عدد من الدول العربية في هذا المجال، من أجل محاولة اللحاق بركب سباق صناعة الرقائق والعمل على إمكانية التحول إلى مراكز لمثل هذه الصناعات في المنطقة.
خطوات سعودية
تعمل المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة على توطين صناعة أشباه الموصلات في البلاد، وأطلقت مؤتمرها الأول لمستقبل أشباه الموصلات في الرياض في مارس/ آذار 2022، ثم عقدت نسختين تاليتين من المؤتمر خلال العامين الماضي والحالي.
كما أعلنت السعودية خلال النسخة الأول من المؤتمر إطلاق البرنامج السعودي لأشباه الموصلات (SSP)، الذي يُعد الأول من نوعه في المنطقة لدعم البحث والتطوير وتأهيل الكوادر البشرية في مجال تصميم الرقائق الإلكترونية وتوطينها.
يهدف هذا البرنامج إلى إجراء الأبحاث العلمية في تقنيات الرقائق الإلكترونية، وتأهيل الكوادر البشرية في مجال تصميمها وإنتاجها لدعم توطين صناعة أشباه الموصلات في المملكة، كما يمنح البرنامج الباحثين في الجامعات السعودية فرصة تصنيع الرقائق الإلكترونية بأحدث التقنيات من خلال توفير الأدوات المطلوبة لتصميمها ودعم تكلفة تصنيعها المرتفعة.
اقرأ أيضاً: استقرار التضخم في السعودية لثالث شهر على التوالي
كما أطلقت السعودية عدداً من المبادرات المتعلقة بصناعة الرقائق خلال النسخة الأخيرة من المؤتمر الذي عقد في شهر يونيو/ حزيران الجاري، منها إنشاء صندوق بقيمة مليار ريال للاستثمار في شركات أشباه الموصلات بهدف تحفيز الشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة لتبني هذه الصناعة.
ويستهدف الصندوق الجديد الوصول بعدد شركات القطاع العاملة في السعودية إلى 50 شركة خلال 5 إلى 6 سنوات، وتم تسجيل 3 شركات بالفعل، وطلبت 10 شركات أخرى الانضمام.
وتقدم السعودية 10 حوافز للشركات، بما في ذلك الوصول إلى صندوق أشباه الموصلات والمهندسين الذين تخطط المملكة لتدريبهم ونقلهم إلى البلاد.
كما أعلنت إطلاق مركز القدرات الوطنية لأشباه الموصلات (NCCS)، الذي يُمكّن الباحثين والمختصين من الوصول لمساحة إجمالية تتجاوز 3600 متر مربع من معامل الغرف النقية المُتقدمة من خلال بناء شبكة بحثية للجامعات المحلية والعالمية والقطاعين العام والخاص؛ لإجراء الأبحاث المتخصصة في مجال صناعة تصميم الرقائق الإلكترونية، وتحقيق التطلعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار.
ويستهدف المركز إتاحة قدراته للباحثين من أكثر من 30 جامعة سعودية، حيث سيُسهم في بناء رأس المال البشري المتخصص في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية من خلال تدريب أكثر من 500 من الباحثين والطلاب في المملكة على تقنيات أشباه الموصلات سنوياً.
كما تم إطلاق برنامج الماجستير المشترك في مجال أشباه الموصلات بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية "كاكست"، وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وجامعة كاليفورنيا - لوس أنجلوس؛ بهدف توفير تعليم متميز ينتج كوادر وطنية مؤهلة تدعم صناعة أشباه الموصلات، وتقديم تعليم أكاديمي وتدريب عملي مكثف بنسبة 35% في مختبرات الغرف النقية بكاكست ينتهي بحصولهم على الدرجة العلمية، بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس).
وأعلنت كذلك هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار السعودية إطلاق "التجمع الوطني لأشباه الموصلات"، لتوطين تصميم الرقائق الإلكترونية، مبيناً أن التجمع يهدف إلى توطين 50 شركة متخصصة في مختلف تقنيات تصميم الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، وتدريب وتوظيف 5 آلاف مهندس على تصميم الدوائر المتكاملة، وجذب أكثر من مليار ريال من رؤوس الأموال الاستثمارية وصناديق الاستثمار في التقنية العميقة بحلول العام 2030.
وستتم إتاحة أكثر من 150 مليون ريال سعودي من منتجات الدعم المختلفة المقدمة من البرنامج الوطني لتنمية تقنية المعلومات للشركات في هذا التجمع، كما يهدف التجمع إلى الإسهام في تنمية وتطوير الصناعات المحلية، وتوفير مظلة كُبرى للأنشطة البحثية والابتكارية، وتهيئة بيئة متطورة تتكامل فيها الجهود لتعزيز ريادة المملكة في مجال أشباه الموصلات.
خطوات إماراتية
تعد دولة الإمارات العربية المتحدة أحد اللاعبين الذين لهم تحرك بارز في صناعة أشباه الموصلات خلال السنوات الأخيرة، فقد فطنت مبكراً لأهمية هذا المجال، من خلال تعزيز استثماراتها الخارجية في هذا القطاع، وأسست شركة "مبادلة" شركة "غلوبل فاوندريز" في العام 2009، الرائدة في تصنيع أشباه الموصلات ومدرجة في سوق ناسداك الأميركية للأوراق المالية، بحسب وكالة أنباء الإمارات (وام).
وقال تقرير لمعهد IMD في فبراير/ شباط الماضي، فإن الإمارات رغم امتلاكها حالياً شريحة صغيرة من كعكة تصنيع أشباه الموصلات، تبرز كمنافس في حروب الرقائق، حيث تزود عمالقة التكنولوجيا بالمعالجات اللازمة لتشغيل الذكاء الاصطناعي، وتعزيز مجموعة جديدة من ابتكارات أشباه الموصلات في الشرق الأوسط.
وأشار التقرير إلى تعاون الإمارات مع شركة أوبن إيه آي OpenAI، ومناقشات مؤسسها المشارك سام ألتمان معها ضمن مستثمرين لرفع مستوى رأس المال إلى 7 تريليونات دولار لمشروع طموح يهدف إلى توسيع القدرة العالمية لبناء رقائق الكمبيوتر، وخاصة تلك التي تعمل على تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل ChatGPT.
وأوضح أنه من خلال وضع نفسها كمركز لتصنيع شرائح الذكاء الاصطناعي، تهدف الإمارات إلى تلبية احتياجات شركات التكنولوجيا العملاقة من هذه الشرائح، مشيراً إلى أن حرص صناعة التكنولوجيا العالمية على تنويع مصادر شرائحها يمهد الطريق للإمارات للدخول إلى دائرة الضوء في مجال أشباه الموصلات، والاستفادة من مواردها وقدراتها لتعزيز جهود تطوير الرقائق وتشجيع مجموعة جديدة من ابتكارات أشباه الموصلات في الشرق الأوسط.
اقرأ أيضاً: استثمارات بنوك الإمارات تسجل أعلى مستوى في تاريخها
تم تشكيل مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والبلوك تشين في عام 2018، وتم تحديث هيكل المجلس عام 2021 بعد ضمّ عدد من الأعضاء الجدد، وصدر قانون بإنشاء مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة في أبو ظبي في يناير/ كانون الثاني الماضي، بهدف وضع خطط وبرامج تمويلية واستثمارية وبحثية مع شركاء محليين وعالميين، لتعزيز مكانة أبو ظبي في هذا المجال.
وأعلن المجلس الجديد، في مارس/ آذار التالي، عن تأسيس شركة "إم جي إكس"؛ بالشراكة مع مبادلة للاستثمار و"جي 42"، والتي سوف تستثمر بهدف تسريع تطوير واعتماد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، من خلال الدخول في شراكات في دولة الإمارات والعالم.
وستركز الاستراتيجية الاستثمارية للشركة على ثلاثة مجالات رئيسية هي: البنية التحتية للذكاء الاصطناعي؛ وأشباه الموصلات؛ والتقنيات والتطبيقات الأساسية للذكاء الاصطناعي، بحسب وام.
بداية مصرية
تعمل الحكومة المصرية على إعداد خارطة طريق لتوطين تصنيع الرقائق الإلكترونية، وتتضمن هذه الخارطة التعاقد مع استشاري عالمي لوضع تصور واستراتيجية لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية والخلايا الشمسية، واستمرار جهود تدريب الكوادر البشرية في مجال الإلكترونيات، بالتكامل مع جهود جذب الاستثمارات لهذه الصناعات.
ووافقت الحكومة في اجتماع لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الأربعاء 12 يونيو/ حزيران، لمتابعة جهود توطين صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، الموافقة على بدء إجراءات الطرح لاختيار استشاري عالمي، وتكليف وزارتي المالية، والتخطيط والتنمية الاقتصادية بوضع المخصصات المالية المطلوبة في الموازنة العامة للعام المالي المُقبل.
اقرأ أيضاً: مصر تعتزم الاستعانة باستشاري عالمي لوضع استراتيجية توطين الرقائق الإلكترونية
وتسعى مصر إلى إقامة صناعات تعتمد على الثروات المعدنية التي تملكها، ومن بينها صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، بما يعزز من فرص المنافسة العالمية في هذا المجال.
وأشار رئيس الوزراء إلى أنه يتم إعداد دراسات متكاملة لتعظيم الاستفادة من مقدرات مصر من خام الرمال البيضاء والسوداء، وكذا تعزيز القدرات التصنيعية في هذا المجال، من أجل توطين الصناعات الخاصة بالرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، لما تشهده هذه الصناعات من طلب متزايد خلال هذه الفترة، وفي المستقبل.
وعقدت الحكومة العديد من الاجتماعات واللقاءات مع كبريات الشركات العاملة في هذا المجال، لمناقشة واستعراض النقاط التي تدعم جهود توجه الدولة نحو توطين هذه الصناعة، سواء ما يتعلق ببرامج التدريب المتخصصة وإعداد الكوادر البشرية، أو ما يتعلق بإتاحة المزيد من التيسيرات والحوافز جذباً لمزيد من الاستثمارات، بحسب بيان من رئاسة مجلس الوزراء.