يواجه قطاع إنتاج الخضراوات والفواكه في الولايات المتحدة تراجعاً مستمراً على مدى العقود الأخيرة، على الرغم من امتلاك البلاد واحدة من أكبر المساحات الزراعية في العالم، بما يقرب من مليار فدان.

وبينما تحقق أميركا اكتفاءً ذاتياً في إنتاج السلع الزراعية الأساسية مثل الذرة وفول الصويا والقمح، فإنها تعتمد بشكل متزايد على الواردات لسد احتياجاتها من الأغذية الطازجة، مما يطرح تساؤلات حول سر تراجع إنتاج الغذاء في بلد يمتلك موارد زراعية هائلة؟ والأهم.. لماذا تعتمد الولايات المتحدة على الواردات لتوفير غذائها رغم وفرة أراضيها؟ وهل تعكس هذه التحديات أزمة في الأولويات الزراعية للبلاد؟

وانخفض إنتاج الفواكه في الولايات المتحدة بنسبة 36 بالمئة في عام 2024 مقارنة بعام 2003، في حين انخفض إنتاج الخضروات بنسبة 6.3 بالمئة، وتشكل الواردات حصة متزايدة من توافر المنتجات الطازجة، حيث توفر دول أخرى لسد الفجوة 60 بالمئة من إجمالي الفواكه و38 بالمئة من الخضروات في الولايات المتحدة في عام 2021، مع المكسيك كمورد رئيسي، وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية، التي أكدت أن إنتاج الخضروات والفواكه فضلاً عن عدد المزارع في البلاد، يعاني من الانخفاض لعقود من الزمن.

وقالت أنجيلا هوفمان، الرئيسة والشريك المؤسس لمنظمة "فارم أوشن": "لدينا ما يقرب من مليار فدان من الأراضي الزراعية، ويبلغ عدد سكاننا 330 مليون نسمة فقط، ومع ذلك لا نطعم أنفسنا، ونعتمد بشكل متزايد على الواردات لتلبية احتياجاتنا الغذائية الأساسية"، بحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.

الأولوية لزراعة السلع الأساسية

وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة تعطي الأولوية لزراعة السلع الأساسية مثل الذرة، وفول الصويا، والقمح، والسكر. وتعتبر الذرة وفول الصويا قيمتين لأنهما يستخدمان بشكل رئيسي كعلف للماشية وإنتاج الإيثانول، وأشار إلى أنه "على الرغم من ضرورة السلع الأساسية للاقتصاد الأميركي، إلا أنها لا تغذي الناس. وهذه نقطة خلافية كبيرة بالنسبة للعديد من المزارعين الصغار والمتوسطين الذين يزرعون الفواكه والخضروات".

وأشار إلى أنه "مع استمرار ارتفاع تكاليف العمالة والوقود والأسمدة، يصعب على هؤلاء المزارعين البقاء على قيد الحياة، حيث تبلغ تكلفة العمالة الزراعية المتوقعة 6.9 بالمئة في عام 2024، على سبيل المثال، ولا يمكن للعديد من المزارعين الذين يزرعون الفواكه والخضروات حصاد منتجاتهم الحساسة باستخدام الآلات بالطريقة نفسها التي يستخدمونها مع السلع الأساسية، فالدعم الحكومي يميل لصالح المزارعين الكبار".

وبموجب قانون المزارع، الذي يُمرر كل خمس سنوات تقريباً، يتلقى مزارعو السلع الأساسية عدداً غير متناسب من الدعم، وهي مدفوعات حكومية تعمل كشبكات أمان؛ تحمي المزارعين من تقلبات الأسعار والإيرادات وعوائد المحاصيل. تحصل المزارع الكبيرة والأثرياء التي تزرع "المحاصيل الخمسة الكبرى" (الذرة وفول الصويا والقمح والقطن والأرز) على الغالبية العظمى، حيث تحصد أكثر من 78 بالمئة من تلك الدولارات الفيدرالية على مدار السنوات الـ 22 الماضية، وفقاً لمجموعة العمل البيئي.

وقال وزير الزراعة الأميركي توم فيلساك: "أعتقد أن هناك درجة معينة من الملاءمة في انتقاد الحصة غير المتناسبة التي تحصل عليها العمليات التجارية الكبيرة مقارنة بالمزارعين الذين يكافحون على الهامش، وهم من قبيل الصغار والمتوسطين".

وامتد قانون المزارع لعام 2018 حتى عام 2024، ولكنه انتهى في سبتمبر. من المحتمل ألا يتم البت في مشروع قانون جديد حتى عام 2025، وقد تحدث الإدارة الجديدة تغييرات كبيرة في تخصيص الدعم والمدفوعات، بحسب تقرير الشبكة الأميركية.

3 أسباب للاعتماد على الواردات الغذائية

في حديث خاص لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية أرجع الدكتور علي أحمد إبراهيم الخبير الاقتصادي، أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة الزقازيق اعتماد الولايات المتحدة على الواردات الغذائية لعدد أسباب أهمها:

  • ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية الأميركية بالمقارنة مع أسعار المنتجات في الدول المجاورة مثل المكسيك وبعض دول أميركا الجنوبية نتيجة ارتفاع أجور العمالة في الولايات المتحدة، إذ أن أقل ساعة عمل في الزراعة تزيد عن ١٥ دولاراً.
  • ارتفاع تكاليف النقل من المزارع إلى الأسواق ومن الأسواق إلى محلات التجزئة.
  • ارتفاع تكاليف التجهيز أي الفرز والتدريج والتبريد والتصنيع والتعبئة والتغليف وغيرها من العمليات والوظائف التسويقية الأخرى.

أما بالنسبة لتراجع إنتاج الغذاء في الولايات المتحدة، فيعود السبب إلى اهتمامها بإنتاج محاصيل غير غذائية مثل الذرة الشامية وفول الصويا والقمح والأعلاف الخضراء لأن تلك المحاصيل تعتمد على العمل الآلي وليس العمل البشري، فضلاً عن أنها محاصيل ذات إنتاجية عالية مما ينعكس على انخفاض تكاليف الإنتاج، طبقاً لما قاله الدكتور إبراهيم.

وأشار الخبير المختص بالاقتصاد الزراعي الدكتور إبراهيم إلى أن مزارع الخضروات والفواكه تتطلب عمالة بشرية عالية وماهرة وهي مكلفة ونادرة في الولايات المتحدة، وهو ما يدفع المزارعين للاهتمام بإنتاج محاصيل أخرى عالية الإنتاجية وذات فترة إنتاج قصيرة ومبكرة النضج ولا تعتمد كثيراً على العمل البشري الكثيف لكن تعتمد على العمل الآلي".

الخمسة الكبار

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري: "تستند السياسة الزراعية الأميركية بشكل كبير إلى دعم ما يُعرف بـ (الخمسة الكبار) من المحاصيل الزراعية، وهي الذرة، فول الصويا، القمح، الأرز، والقطن. تمثل هذه المحاصيل نحو 75 بالمئة من الإنتاج الزراعي من حيث المساحة، مما يجعلها أساساً للاقتصاد الزراعي في البلاد. والطلب الكبير عليها سواء داخلياً أو في الأسواق الدولية يزيد من أهميتها الاقتصادية. وتدعم الحكومة هذه المحاصيل من خلال عدة آليات تشمل الإعانات المالية، برامج التأمين الزراعي، ودعم الأسعار، مما يعزز من قدرتها التنافسية في السوق العالمي ويضمن استقرارها الاقتصادي".

وأضاف: "ومع ذلك، هناك تداعيات لهذا التركيز على (الخمسة الكبار) في السياسة الزراعية. حيث تهمش هذه السياسة المحاصيل الأخرى مثل الخضراوات والفواكه، التي تشكل جزءاً مهماً من النظام الغذائي الأميركي، ولكن لا تتلقى الدعم الحكومي نفسه، حيث يواجه المزارعون الذين يزرعون هذه المحاصيل تحديات اقتصادية كبيرة، مثل ارتفاع تكاليف العمالة والأسمدة، بالإضافة إلى قلة الدعم المالي".

 كما أن البنية التحتية الزراعية في الولايات المتحدة، التي تركز أساساً على المحاصيل الأساسية، لا تدعم بشكل كاف مزارعي الخضراوات والفواكه، مما يزيد من صعوبة الإنتاج المحلي لهذه المحاصيل، وهو ما جعل الولايات المتحدة تعتمد بشكل متزايد على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية من المكسيك ودول أميركا اللاتينية. ويبرز هذا التوجه تحديات كبيرة أمام الزراعة الأمريكية، خاصة في ظل التغيرات المناخية وارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث تشير التوقعات إلى أن البلاد ستواجه عجزاً في التجارة الزراعية يصل إلى 42 مليار دولار بحلول عام 2025، طبقاُ لما قاله الدكتور الشبشيري.

هل سيغير قانون المزارع الجديد المعادلة؟

في هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي أن قانون المزارع لعام 2025 يعد خطوة مهمة لتحسين هذه الوضعية من خلال توجيه الدعم نحو المزارعين الصغار الذين يزرعون الخضراوات والفواكه والخضروات، وتوسيع استخدام التقنيات الحديثة مثل الزراعة العمودية لتحسين الإنتاجية، كما أنه من المتوقع أن يسهم القانون الجديد في تقليص الفجوة بين المزارع الكبيرة والصغيرة من خلال توجيه حصة أكبر من الدعم للمزارعين الصغار والمتوسطين الذين يزرعون الخضراوات والفواكه لتقليل الاعتماد على الواردات، كما سيساهم في تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة ويشجع على تطوير تقنيات جديدة لزيادة الإنتاجية وتحسين مقاومة المحاصيل للأمراض.

ونوه الدكتور الشبشيري بأن "تقرير الاقتصاديين الزراعيين الشهري" أصدر استبياناً شمل أكثر من 60 اقتصادياً متخصصاً في الاقتصاد الزراعي. وأشار الاستبيان إلى أن الغالبية العظمى من الاقتصاديين يرون أنه من غير المحتمل إقرار قانون المزارع بالكامل حتى عام 2025.