صعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من حدة المواجهة المتوترة مع الغرب، قائلاً إن روسيا أطلقت صاروخاً باليستياً جديداً متوسط ​​المدى على أوكرانيا رداً على استخدام كييف مؤخراً لأسلحة أميركية وبريطانية لضرب عمق روسيا، وهو ما اعتبره الكرملين "تجاوزاً للخطوط الحمراء".

ومنذ انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، استخدم بوتين بشكل متكرر التهديد بالأسلحة النووية في محاولة لإبقاء الغرب خارج التوازن، ووقف تدفق الدعم لأوكرانيا. لكن إرسال صاروخ متوسط ​​المدى بقدرات نووية إلى أوكرانيا، والتلويح بالضربة كتهديد للغرب، أدى إلى تصعيد التوترات بشكل أكبر.

ووصف بوتين الضربة الصاروخية الخميس، بأنها "اختبار" ناجح لصاروخ باليستي جديد متوسط ​​المدى يسمى "أوريشنيك". وأوضح أن الهجوم على أوكرانيا كان رداً على قرار حديث اتخذته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بمنح أوكرانيا الإذن باستخدام صواريخ باليستية أميركية الصنع من طراز أتاكمز ATACMS لضرب أهداف داخل روسيا، معتبراً أن واشنطن "تدفع العالم نحو صراع عالمي".

وقال مسؤولون أوكرانيون وغربيون، إن كييف استخدمت أتاكمز ATACMS، والصاروخ البريطاني "ستروم شادو" Storm Shadow ضد روسيا لأول مرة هذا الأسبوع.

ومنذ انطلاق غزو أوكرانيا، وبدء حلفاء كييف الغربيين في تزويدها بالأسلحة وغير ذلك من الدعم، بذلت كل من روسيا والغرب جهوداً حثيثة لتجنب المواجهة المباشرة التي اتفقت جميع الأطراف على أنها قد تؤدي إلى صراع عسكري كارثي، وربما حرب نووية.

حواجز تحت الضغط

ولكن مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من نهاية عامها الثالث، يبدو أن الحواجز التي تمنع مثل هذه المواجهة، أصبحت "تحت ضغط لم يسبق له مثيل من قبل".

ونقلت "واشنطن بوست" أن استخدام روسيا للسلاح الجديد، وتهديدها بمزيد من التصعيد، يؤكد السباق الجاري بين موسكو وكييف لتحسين مواقعهما في ساحة المعركة في لحظة من عدم اليقين المتزايد قبل عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

ويكافح الجيش الأوكراني لصد التقدم العسكري الروسي في شرق البلاد، بينما يحاول الحفاظ على موطئ قدمه في منطقة كورسك الروسية، وهو الوجود الذي يمكن أن يوفر نفوذاً مفيداً في أي مفاوضات لإنهاء الحرب. تسيطر روسيا الآن على ما يقرب من خمس الأراضي الأوكرانية.

وفي خطابه، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "بوتين هو الوحيد الذي بدأ هذه الحرب، وهي حرب غير مبررة تماماً، وهو يفعل كل شيء لإبقاء الحرب مستمرة لأكثر من ألف يوم". كما وصف الضربة الصاروخية بأنها "دليل آخر على أن روسيا بالتأكيد لا تريد السلام".

وقال مسؤولون أوكرانيون وغربيون، إن استخدام صاروخ متوسط ​​المدى مأخوذ من الترسانة الاستراتيجية الروسية كان ملحوظاً. وكان الهدف داخل أوكرانيا ضمن نطاق الأسلحة التقليدية التي استخدمتها موسكو بشكل روتيني طوال الحرب، حسبما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز".

لكن هذه المرة، أطلقت روسيا صاروخاً أطول مدى قادراً على حمل رؤوس نووية، وهو مخصص بشكل أساسي للردع النووي؛ وقال المسؤولون والمحللون العسكريون، إن هذا الاختيار يشير إلى "تحذير يهدف إلى بث الخوف في كييف ولدى حلفائها".

وقال فابيان رينيه هوفمان، خبير الأسلحة في جامعة أوسلو، إنه من منظور روسي، "ما يودون أن يخبرونا به اليوم هو أن ضربة الخميس، كانت غير نووية في الحمولة، ولكن، كما تعلمون، إذا استمر كل ما تفعله، فقد تكون الضربة التالية برأس نووي"، حسبما نقلت الصحيفة الأميركية.

وقال ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن روسيا لم تكن ملزمة بموجب البروتوكول بإخطار الجانب الأميركي مسبقاً بإطلاق الصاروخ، لأن صاروخ أوريشنيك ليس صاروخاً عابراً للقارات. لكن تم إرسال إخطار تلقائي إلى الولايات المتحدة قبل 30 دقيقة من الإطلاق، حسبما نقلت وكالة "تاس" الروسية الرسمية.

"ترهيب أوكرانيا"

وفي بيان صدر الخميس، قال مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة، إن روسيا أطلقت "صاروخاً باليستياً تجريبياً متوسط ​​المدى ضد أوكرانيا". وقال البيان إن روسيا ربما كانت تمتلك "عدداً قليلاً" من هذه الصواريخ وربما استخدمتها لمحاولة "ترهيب أوكرانيا وأنصارها".

وسعى المسؤولون الأميركيون، إلى التقليل من أهمية إطلاق الصاروخ RS-26. وأشار أحد المسؤولين الأميركيين، الذي تحدث شريطة عدم كشف عن هويته بسبب حساسية القضية، إلى أن موسكو لديها "مخزونات محدودة فقط" من السلاح التجريبي، وفق "واشنطن بوست".

وقال المسؤول: "ربما تسعى روسيا إلى استخدام هذه القدرة لمحاولة ترهيب أوكرانيا وأنصارها. ولن يكون ذلك بمثابة تغيير في قواعد اللعبة في هذا الصراع".

وقالت سابرينا سينج، المتحدثة باسم البنتاجون، إن موسكو أخطرت الولايات المتحدة قبل إطلاق السلاح، وهو تأكيد نفاه الكرملين في البداية قبل توضيح أن تحذيراً آلياً تم إرساله قبل نصف ساعة عبر المركز الوطني الروسي للحد من المخاطر النووية.

إظهار الهيمنة التصعيدية

وقالت القوات الجوية الأوكرانية، إن الصاروخ أطلق من منطقة أستراخان الروسية. وقال إيفان كيريتشيفسكي، المحلل العسكري في وكالة الاستشارات الأوكرانية "ديفنس إكسبريس"، إن منطقة الإطلاق تشير إلى أنه تم إطلاقه من شاحنة متمركزة في ميدان التدريب "كابوستين يار"، وهو ميدان اختبار يعود إلى حقبة الحرب الباردة للصواريخ الباليستية السوفيتية والقاذفات الاستراتيجية وغيرها من الأسلحة، مما يؤكد التهديد المقصود بالإطلاق، وفق "نيويورك تايمز".

وقال كيريتشيفسكي، إن أوكرانيا ليس لديها رادارات قادرة على اكتشاف مثل هذه الصواريخ أثناء طيرانها عبر الغلاف الجوي العلوي، كما أنها لا تمتلك أنظمة دفاع جوي قادرة على إسقاطها. وأضاف: "ربما رأى شركاؤنا الغربيون هذا الإطلاق قبلنا".

وقال المحللون، إن الاسم الذي أطلقه بوتين على السلاح الجديد، "أوريشنيك"، يبدو جديداً، لكن السلاح نفسه من المرجح أنه لا يختلف كثيراً عن الإصدارات المعروفة من الصواريخ الباليستية الروسية متوسطة المدى.

وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن ضربة الخميس "كانت بمثابة محاولة مدروسة لإظهار الهيمنة التصعيدية، والقدرة على التفوق على الغرب في سلم الانتقام حتى إذ تطلب الأمر إشعال حرب نووية".

وقال رومان كوستينكو، رئيس لجنة الدفاع والاستخبارات في البرلمان الأوكراني، إن هجوم الخميس، لن يدفع أوكرانيا إلى تغيير طريقة خوضها للحرب، بما في ذلك الرد على أهداف في روسيا دفاعاً عن النفس.

ولكن أوكرانيا أوقفت إنتاجها للصواريخ النووية بعد استقلالها في عام 1991، والآن، كما قال مسؤولون أوكرانيون، "ليس لدينا ما نرد به على هذه الفئة من الأسلحة".

ويتجادل المسؤولون الروس والغربيون بشأن المسؤول عن موجة التصعيد الأخيرة. في حين يلقي الكرملين باللوم على واشنطن لمنح أوكرانيا الإذن بضرب أهداف روسية بأسلحة غربية، قال البيت الأبيض إن تصرفات روسيا نفسها أدت إلى القرار، مشيراً على وجه التحديد إلى قرار روسيا بدعوة الآلاف من القوات الكورية الشمالية للمساعدة في طرد القوات الأوكرانية من منطقة كورسك الروسية.

وقالت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، للصحافيين الخميس، إن "التصعيد في كل منعطف، وفي كل خطوة، يأتي من روسيا".

وكررت موقف البيت الأبيض بأن قرار إقحام القوات الكورية الشمالية في الصراع كان الإجراء التصعيدي المهم، وأن التغييرات في السياسة بشأن الأسلحة الأميركية ليست كذلك. وقالت: "هذا عدوانهم: ليس عدوان أوكرانيا، وليس عدواننا".