أصبح تصاعد الهجمات التي تشنها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على قطاع غزة ولبنان، يُشكل "نقطة ضعف" متزايدة للمرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية ونائبة الرئيس كامالا هاريس، في خضم سعيها للوصول إلى منصب الرئيس، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

وأشارت الصحيفة الأميركية، الخميس، إلى أن الرئيس جو بايدن، ونائبته هاريس، كانا يأملان أن تهدأ أعمال العنف المتواصلة في الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأخيرة من السباق الرئاسي، لكن الهجمات العسكرية الإسرائيلية الجديدة تجعل ذلك "شبه مستحيل"، حسبما يرى مسؤولون أميركيون ومعاونون لهاريس في حملتها الانتخابية.

وأضافت الصحيفة، أن نتنياهو أشعل الأوضاع في قطاع غزة بشن حملة قصف جديدة، وأطلق غزواً برياً في لبنان، إلى جانب غارات جوية استهدفت العاصمة بيروت، ومن المتوقع أن يصدر قريباً أوامر بشن هجوم على منشآت عسكرية إيرانية رداً على الضربة الصاروخية التي وجهتها إيران إلى إسرائيل في مطلع الشهر الجاري.

تصعيد مربك

وأدى التصعيد السريع إلى إرباك إدارة بايدن، إذ دعت الولايات المتحدة في البداية إلى وقف فوري لإطلاق النار في لبنان، لكنها تراجعت عن هذا الموقف بعد 9 أيام، وأعلنت دعمها العلني للهجوم البري الإسرائيلي.

وأثارت هذه التغيرات المفاجئة حالة من الارتباك والقلق بين حلفاء واشنطن الأوروبيين والعرب، الذين يضغطون على الولايات المتحدة لتقييد حليفتها الأقرب في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يزال مسؤولو الإدارة الأميركية غير راغبين في الدخول في مواجهة علنية في ظل هذه اللحظة السياسية الحرجة، حسبما ذكرت "واشنطن بوست".

وقال فرانك لوينشتاين، حليف بايدن والمفاوض السابق في الشرق الأوسط بإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، للصحيفة: "من الواضح أنهم يريدون تجنب أي مواجهة علنية مع نتنياهو بشأن لبنان أو غزة، ربما تؤدي إلى رد فعل عكسي من مؤيدي إسرائيل قبل الانتخابات".

وأضاف لوينشتاين: "في الوقت نفسه، هم يدركون حساسية فقدان أصوات الناخبين العرب الأميركيين الحاسمة في الولايات المتأرجحة، إذا مال خطابهم بشكل مفرط لصالح إسرائيل".

وأصدرت الإدارة الأميركية بيانات رداً على أحداث وقعت مؤخراً، وأثارت انتقادات دولية، من بينها الهجمات الإسرائيلية على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل)، والقصف الذي استهدف مستشفى "شهداء الأقصى" في غزة، وأدى إلى اشتعال مخيمات قريبة، إضافة إلى تقرير أممي يفيد بعدم دخول أي مواد غذائية إلى شمال غزة منذ نحو أسبوعين.

وقالت "واشنطن بوست" إن هذه البيانات "صيغت بعناية لتجنب إظهار أي قطيعة واضحة مع نتنياهو".

رسالة سرية

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، الثلاثاء، عن محتوى رسالة سرية من وزير الخارجية ووزير الدفاع الأميركيين، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، يطالبان فيها إسرائيل بالسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، أو مواجهة قيود محتملة على المساعدات العسكرية الأميركية.

وبعد ساعات من الكشف عن محتوى الرسالة، أوضح متحدثون باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية أن الرسالة "لم تكن تهديداً"، وأنه لن تُتخذ أي تدابير خلال الـ30 يوماً المقبلة، ما يؤجل أي إجراء عقابي محتمل حتى بعد الانتخابات. كما رفضوا توضيح ما إذا كانت قيود الأسلحة مطروحة للنقاش من الأساس.

واستندت "واشنطن بوست" في تقريرها عن تعامل إدارة بايدن مع العنف المتزايد في الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأخيرة من الانتخابات إلى مقابلات أجرتها مع أكثر من 20 مسؤولاً من الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى مسؤولين في حملة هاريس، تحدث بعض هؤلاء المسؤولين بشرط عدم كشف هوياتهم.

وأثار انتشار الحرب، قلق حملة هاريس، التي ترى أن صور الضحايا المدنيين تعترض طريقها نحو تحقيق الانتصار في الولايات المتأرجحة، التي تضم أعداداً كبيرة من السكان العرب الأميركيين والمسلمين.

وقال أحد مستشاري الحملة للصحيفة: "إنها مسألة مثيرة للقلق بشكل كبير. الأمر يتعلق بالناس الذين يقولون: لا يمكنني دعم أي شخص يؤيد الإبادة الجماعية".

وذكرت "واشنطن بوست"، أن إسرائيل تنفي أن العمليات العسكرية التي تنفذها في قطاع غزة، تشكل "إبادة جماعية".

وفي أشهره الأخيرة في منصبه، يبدي بايدن من جديد استعداده لاستخدام المساعدات العسكرية الأميركية المقدمة لإسرائيل كـ"جزرة وعصا"، للتأثير على المواجهة التي تنطوي على الكثير من المخاطر بينها من جهة وبين إيران، والجماعات المسلحة المدعومة منها من الجهة الأخرى.

ويقول خبراء إنه على الرغم من أن هذا النهج يزيد من مشاركة واشنطن في صنع القرار الإسرائيلي، قبل أسابيع فقط من انتخابات الرئاسة الأميركية، فمن غير الواضح ما إذا كان سيساعد في تحقيق أهداف بايدن بما في ذلك منع اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً، ودفع إسرائيل إلى معالجة الوضع الإنساني الآخذ في التدهور في قطاع غزة.

"انظروا إلى سجلنا"

وتزعم إدارة بايدن أن المنتقدين يقللون من تأثيرها في تقليص نطاق غزو إسرائيل للبنان، وزيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، ومنع نشوب حرب شاملة مع إيران، بحسب الصحيفة.

ويقول مسؤولون، إنهم يبذلون جهوداً مستمرة لثني نتنياهو عن قصف بيروت، وتقليص هجومه المخطط له على إيران، الذي يخشى البعض أن يتضمن ضربات على منشآت نووية أو نفطية، وهو ما قد يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في تصريحات للصحافيين، الثلاثاء: "انظروا إلى سجلنا في التدخل لإيصال المساعدات الإنسانية. عندما رأينا أن النتائج لا تتوافق مع المعايير التي نتوقعها، تدخلنا".

ومع ذلك، تظهر تقديرات الإدارة نفسها، تراجع حجم المساعدات التي وصلت غزة بنسبة تزيد عن 50% منذ ربيع العام الجاري، وفقاً لـ"واشنطن بوست".

واستؤنفت الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان، الأربعاء، مستهدفةً الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث أصابت ما وصفه الجيش الإسرائيلي بأنه منشأة تحت الأرض لتخزين الأسلحة تستخدمها "حزب الله".

كما استهدفت غارات إسرائيلية أخرى في جنوب لبنان مباني حكومية في مدينة النبطية، ما أودى بحياة 6 أشخاص على الأقل، بينهم رئيس البلدية.

وقال مسؤولون إسرائيليون، إنهم لن يخضعوا للضغوط الأميركية بشأن الأهداف في لبنان، حيث أودت الهجمات بحياة أكثر من 1700 شخص، وتسببت في نزوح 1.2 مليون آخرين منذ تصاعد القتال في منتصف سبتمبر الماضي. 

وقال نتنياهو: "سنستمر في استهداف حزب الله بلا رحمة في جميع أنحاء لبنان، بما في ذلك بيروت".

ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤولين إسرائيليين، قولهم، إن إسرائيل لم تتخذ بعد قراراً نهائياً بشأن الأهداف التي ستضربها في إيران، ولكن من المتوقع شن هجوم خلال الأيام المقبلة.

وفيما يتعلق بغزة، يقر معظم المسؤولين الأميركيين، بأن الطرفين لن يتوصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين قبل نهاية العام؛ لا سيما بعدما تعثرت المفاوضات غير المباشرة بين حركة "حماس" وإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

وأدت هذه المعضلة إلى تفكير مسؤولين حاليين وسابقين في الطريقة، التي كان من الممكن أن تتجنب بها واشنطن هذه الورطة.

تسرّع أميركي

وقال أندرو ميلر، الذي استقال مؤخراً من منصبه كنائب لمساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإسرائيلية الفلسطينية، للصحيفة، إن الولايات المتحدة "تسرعت للغاية" في قبول عمليات إسرائيل التوسعية دون معرفة نطاقها.

وأضاف: "ما قمنا به كان بمثابة تأييد للحملة العسكرية الإسرائيلية، قبل أن نفهم ما إذا كانت إسرائيل تمتلك استراتيجية خروج قابلة للتطبيق". 

وأضاف: "لا أعتقد أن هناك أي شخص في الإدارة يمكنه أن يقول بوجه صريح إن إسرائيل كانت لديها هدف نهائي محدد بوضوح".

وأعلنت إدارة بايدن، الأحد، أنها سترسل نحو 100 جندي إلى إسرائيل إلى جانب منظومة أميركية متقدمة مضادة للصواريخ، وهو نشر نادر للقوات يأتي في الوقت الذي تحبس منطقة الشرق الأوسط الأنفاس، ترقباً لهجوم إسرائيلي على إيران، فيما تصعد تل أبيب من غاراتها على لبنان.

وفي واشنطن، تتزايد المخاوف داخل حملة هاريس بشكل خاص في ولاية ميشيجان، التي تحتضن واحدة من أكبر التجمعات العربية الأميركية والمسلمة في البلاد، حيث يقدر عددهم بنحو 300 ألف شخص يدّعون أصولًا من شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط.

وتظهر استطلاعات رأي أن هاريس ومنافسها الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب، متساويان في الدعم في ميشيجان، وغيرها من الولايات المتأرجحة التي ستحسم الانتخابات.