تحليل بقلم الزميلة بـCNN، تمارا قبلاوي
(CNN)-- دفعة سعودية في اللحظة الأخيرة هي التي قررت مصير لبنان، الخميس، إذ لم يتبق سوى أقل من 24 ساعة قبل أن يختار البرلمان الرئيس المقبل، لكن المشهد السياسي المتقلب في لبنان كان في حالة من الفوضى الكاملة.
ويبدو أن النخبة السياسية الطائفية عالقة، إذ يصل الرؤساء في لبنان إلى السلطة من خلال شبه إجماع سياسي، لكن لا يزال هناك أكثر من ستة متنافسين، واحتدمت المناقشات وتم استبعاد قائد الجيش، جوزاف عون، من قبل العديد من السياسيين باعتباره غير مؤهل دستوريًا للرئاسة بسبب منصبه العسكري، وبدا أن البرلمان يتجه نحو محاولته الفاشلة الـ13 لانتخاب رئيس خلال أكثر من عامين.
ثم توجه وفد سعودي برئاسة مبعوث المملكة، الأمير يزيد بن فرحان، إلى بيروت للمرة الثانية خلال أسبوع، وعقدت اجتماعات خاطفة مع مختلف الأحزاب السياسية، وبحلول الوقت الذي غادروا فيه، لم يبق سوى مرشح واحد: عون المدعوم من الولايات المتحدة، قبل أن يصوت 99 نائباً لصالح عون، وهو ما يتجاوز الثلثين المطلوب في البرلمان. وكانت بطاقات الاقتراع الـ 29 المتبقية إما فارغة أو غير مؤهلة إلى حد كبير (أدلى أحد المشرعين بصوته لصالح السيناتور بيرني ساندرز).
كان تطوراً أثار أسئلة أكبر، لماذا أنفقت المملكة العربية السعودية الكثير من رأس المال الدبلوماسي لإيصال رئيس، منهية بذلك ما يقرب من 8 سنوات من عدم الانخراط بلبنان الذي اعتبرته سابقا "ضائعا" أمام الهيمنة الإيرانية عبر حزب الله؟
وهناك عامل آخر ساهم في فتح رئاسة عون وهو مهم أيضاً: حزب الله وحلفاؤه في حركة أمل صوتوا لصالحه، في قضية مصممة بعناية، وأدلى حزب الله وحركة أمل، المعروفان بالثنائي الشيعي، بأصوات فارغة في الجولة الأولى من التصويت، والتي فشلت بانتخاب رئيس، وخلال فترة المشاورات التي استمرت ساعتين، عقد رؤساء كتلهم النيابية اجتماعاً مع عون، لم تُعرف تفاصيله، وبعد عودتهم إلى البرلمان، أدلوا بأصواتهم لصالح عون، فكسروا الجمود وفتحوا الطريق أمام الرئاسة.
وكانت الرسالة واضحة، ربما أصيب حزب الله بالضعف الشديد بسبب حربه مع إسرائيل في الخريف، وبسبب الإطاحة بحليفه الرئيسي مؤخرا، الرئيس السوري بشار الأسد، لكنه لا يزال قادرا على إطالة أمد الجمود، أو إنهائه، ولكن لماذا صوتوا لصالح رئيس مفوض بنزع سلاحهم؟
السعودية تدخل المعركة من جديد
ومن غير الواضح ما الذي حدث خلال الاجتماعات التي حشدت فيها السعودية الدعم الساحق لعون، لكن ذلك كان جهدًا مكثفًا حدث بالتزامن مع المحادثات الدبلوماسية الغربية، كما التقى المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان، جان إيف لودريان، مع نواب من حزب الله، وفرنسا هي واحدة من الدول الغربية القليلة التي لا تصنف حزب الله على لائحة الإرهاب، وتحتفظ بقناة دبلوماسية مع الذراع السياسية للجماعة المسلحة، إنها إحدى الروابط الوحيدة المتبقية بين الغرب والمجموعة المدعومة من إيران.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قام المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان، عاموس هوشستين، بدوره لدعم فرص عون من خلال سلسلة من الاجتماعات، ولم يغب أي من هذا عن المشرعين اللبنانيين، إذ قال النائب المستقل، جميل السيد، لقناة الجديد التلفزيونية المحلية من البرلمان، الثلاثاء: "لسنا هنا لانتخاب رئيس.. نحن هنا للتصديق على تعيين الرئيس".
وفي تصريحاته قبل الإدلاء بأصواته، أشار النائب المناهض، حليم القعقور، إلى الرواق العلوي حيث جلس كبار الشخصيات الأجنبية، بما في ذلك سفراء الولايات المتحدة وفرنسا ومصر وإيران، قائلا: "لا ينبغي لأحد أن يفرض إرادته علينا، لا وصاية الإيرانيين ولا السوريين ولا الأميركيين، لا ينبغي أن نستبدل وصاية (خارجية) بأخرى"، مضيفا: "لا ينبغي لأحد أن يتدخل في شؤوننا الداخلية، مع كل احترامي للسفراء هنا.. نحن ندعم التعاون الدولي… لكن لا ينبغي لأحد أن يتدخل في سيادتنا".
وسلف عون هو الرئيس السابق، ميشال عون، المدعوم من حزب الله (لا تربطهما صلة قرابة)، وكان يُنظر إلى فترة ولايته، التي انتهت قبل أكثر من عامين، على نطاق واسع على أنها حقبة من الهيمنة الإيرانية في لبنان، والتي شهدت طفرة غير مسبوقة في القوة السياسية لحزب الله، ويشكل هذا التحول في الدعم الخارجي بين الرئيسين عون تغييراً زلزالياً بالنسبة للبلاد.
ومع ذلك، يبدو أن حزب الله يواجه هذه اللحظة باستقالة هادئة وغامضة، وفي تصريحاته للصحفيين بعد انتخاب عون، قال زعيم كتلة حزب الله النيابية، محمد رعد، إنهم صوتوا له لتعزيز "التفاهم الوطني".
وأضاف بشكل غامض أنهم امتنعوا عن التصويت في الجولة الأولى، لأنهم "أرادوا إرسال رسالة... مفادها أننا حماة السيادة".
وربما يكون الغموض الاستراتيجي هو الورقة الأفضل التي يحملها (حزب الله) في هذه اللحظة المحورية، إذ تلقت الجماعة المسلحة سلسلة سريعة من الضربات خلال الحرب التي استمرت شهرين مع إسرائيل في الخريف، بما في ذلك مقتل زعيمها، حسن نصرالله، وأن الإطاحة بالأسد، الذي فتح أراضيه أمام خطوط إمداد المجموعة مع إيران، حدت بشدة من قدرتها على إعادة التسلح.
كما وافقت المجموعة على سحب مقاتليها من جنوب لبنان، قاعدة قوتها لمدة أربعة عقود وساحة معركتها الرئيسية مع إسرائيل، التي احتلت المنطقة من عام 1978 إلى عام 2000، والتي لا يزال لبنان يعتبرها دولة معادية.
ومع ذلك فإن نزع السلاح ما زال بعيداً عن الاكتمال، ويعتقد أن حزب الله لا يزال يمتلك صواريخ متوسطة وطويلة المدى، ويستمر في السيطرة على قاعدة دعم شيعية واسعة، وهذا يعني أنه من المرجح أن تكون هناك مفاوضات أطول بشأن أسلحتهم، مما لا شك فيه أن هناك قوى خارجية.
وسيكون هذا أيضًا بمثابة اختبار للتقارب المستمر منذ عامين تقريبًا بين الرياض وطهران، وعلى الصعيد الداخلي، يتعين على رئيس لبنان الجديد أن يشرف على هذه العملية في حين يعمل على منع اندلاع حرب أهلية، وهو الأمر الذي ألمح إليه في خطاب قبوله عندما وعد بمنع الفصائل في البلاد من محاولة "كسر رؤوس بعضها البعض".
وفي الوقت نفسه، لا تزال القوات الإسرائيلية تعمل في بعض أجزاء جنوب لبنان، وهددت الحكومة الإسرائيلية بإبقاء الجيش هناك إلى ما بعد الموعد النهائي في نهاية هذا الشهر كما نص على اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة والذي أنهى الحرب في أواخر نوفمبر.
ووعد عون بإجبارهم على الانسحاب، وهي مسؤولية قال إنها ستقع على عاتق الدولة وحدها.
هذه مياه مجهولة بالنسبة للدولة الصغيرة والمضطربة الواقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط، لكن بالنسبة للكثيرين هنا، هناك سبب للتفاؤل، إذ قالت كاتبة العمود، لين زوفيجيان: "أصبح لدى لبنان أخيراً رئيس يجلب للشعب اللبناني والمجتمع الدولي القيادة الإنسانية وشرعية الدولة"، مضيفة لشبكة CNN: "لقد حان الوقت للقيادة والنظام الدستوري وتعزيز الدولة والإنسانية حتى نتمكن أخيرًا من تحقيق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي والعدالة والمساءلة".