قالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، الأحد، إن دبابتين إسرائيليتين من طراز "ميركافا" دمرتا البوابة الرئيسية لأحد مواقعها ودخلتاه عنوة، في أحدث الانتهاكات والهجمات التي يندد بها حلفاء لإسرائيل.

وأوضحت "اليونيفيل" أنه بعد مغادرة الدبابتين الإسرائيلتين "أبلغ جنود حفظ السلام في نفس الموقع عن إطلاق عدة رشقات نارية على مسافة 100 متر شمالاً، مما أدى إلى انبعاث دخان كثيف. وعلى الرغم من ارتداء أقنعة واقية، عانى 15 جندي حفظ سلام من آثار ذلك، بما في ذلك تهيج الجلد ومشاكل في المعدة بعد دخول الدخان إلى القاعدة. ويتلقى جنود حفظ السلام العلاج اللازم".

وفي تفسيره للواقعة، زعم الجيش الإسرائيلي في بيان أن عناصر من جماعة حزب الله أطلقت صواريخ مضادة للدبابات على جنود إسرائيليين مما أسفر عن إصابة 25 منهم. وكان الهجوم قريباً للغاية من موقع لـ"اليونيفيل"، وأضاف الجيش أن دبابة تراجعت إلى داخل موقع القوة الأممية خلال إجلائها المصابين تحت القصف.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني للصحافيين "لم يكن اقتحاماً للقاعدة ولا محاولة لاقتحامها. كانت دبابة تواجه نيراناً كثيفة، وحادثاً يشهد عدداً من المصابين، وتراجعت للابتعاد عن طريق الأذى".

وذكر الجيش الإسرائيلي أنه أقام ساتراً من الدخان للتغطية على عملية إجلاء جنوده الجرحى، لكن تصرفاته لم تشكل أي خطر على قوة حفظ السلام الدولية.

وينفي حزب الله الاتهامات الإسرائيلية باستخدامه منطقة قريبة من موقع قوات حفظ السلام للحماية.

جوتيريش: جريمة حرب

من جانبه، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من أن أي هجمات على قوات حفظ السلام الدولية "قد تُشكل جريمة حرب"، مشدداً على أن أفراد اليونيفيل ومبانيها ينبغي ألا تُستهدف أبداً.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في بيان: "لا تزال قوات حفظ السلام التابعة لليونيفيل في جميع المواقع، ولا يزال علم الأمم المتحدة يرفرف".

وفي وقت سابق، الأحد، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأمم المتحدة، إلى إجلاء أفراد "يونيفيل" من مناطق القتال في لبنان، وبعدها بساعات أعلنت القوة الدولية تعرضها لما وصفته بالمزيد من الانتهاكات الإسرائيلية، ومنها اقتحام دبابتين عنوة بوابات إحدى قواعدها قبل فجر الأحد.

لبنان: حافز جديد لـ"موقف مناسب"

من جانبه، أدان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، تصريحات نتنياهو والاعتداء على قوة الأمم المتحدة في الجنوب، معتبراً في بيان أنها "تُمثل فصلاً جديداً من نهج العدو بعدم الامتثال للشرعية الدولية وقراراتها".

وقال ميقاتي في بيان إن هذه تصريحات "يجب أن يكون حافزاً جديداً لاتخاذ الموقف المناسب، بعدما انقلب نتنياهو على النداء الفرنسي- الأميركي المدعوم من دول أجنبية وعربية لوقف إطلاق النار"، مجدداً تمسك لبنان بالشرعية الدولية، والقرار 1701، وبدور قوات الأمم المتحدة في الجنوب وتعاونها الإيجابي مع الجيش اللبناني.

اعتداءات متكررة على "يونيفيل"

وأكدت قوة حفظ السلام الأممية أنه في واقعة أخرى "أوقف جنود الجيش الإسرائيلي، السبت، حركة لوجستية شديدة الأهمية لليونيفيل بالقرب من ميس الجبل، ومنعوها من المرور". ولم يعقب الجيش الإسرائيلي حتى الآن على هذا البيان.

وتابعت أنه "للمرة الرابعة في غضون يومين، نُذكر الجيش الإسرائيلي وجميع الأطراف الفاعلة بالتزاماتهم بضمان سلامة وأمن موظفي الأمم المتحدة وممتلكاتها، واحترام حرمة مباني الأمم المتحدة في جميع الأوقات"، معتبرةً أن "خرق موقع تابع للأمم المتحدة والدخول إليه يشكل انتهاكاً صارخاً آخر للقرار 1701 لعام (2006). وأي هجوم متعمد على جنود حفظ السلام يُشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي. إن ولاية اليونيفيل تنص على حرية الحركة في منطقة عملياتها، وأي تقييد لهذا يُعد انتهاكاً لقرار مجلس الأمن".

وقالت القوة الدولية إنها طلبت تفسيراً من الجيش الإسرائيلي لهذه الانتهاكات "الصادمة".

نتنياهو: "دروع بشرية"

وفي وقت سابق، قال بنيامين نتنياهو في بيان موجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش "لقد حان الوقت لتسحبوا قوات اليونيفيل من معاقل حزب الله، ومن مناطق القتال".

وأضاف "الجيش الإسرائيلي طلب ذلك مراراً، وقوبلت طلباته بالرفض، وهو ما يجعل (أفراد اليونيفيل) دروعاً بشرية لحزب الله".

وبعد بيان "اليونيفيل" قال نتنياهو إنه أبلغ نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني بأنه يأسف عن "أي ضرر لحق بقوات اليونيفيل (حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة)" في لبنان. وأضاف في منشور على منصة "إكس" أن "إسرائيل ستبذل كل جهد ممكن لمنع سقوط خسائر في صفوف اليونيفيل، وستفعل ما في وسعها للفوز بالحرب".

وقال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون إن عدم إقدام الأمم المتحدة على نقل قوات حفظ السلام من مناطق في جنوب لبنان "غير مفهوم" وسط القتال الدائر هناك بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي جماعة حزب الله.

وأضاف في بيان أن تفاصيل الواقعة التي حدثت وشملت أفراداً من اليونيفيل تخضع للتحقيق حالياً، وتابع: "حزب الله يستخدم مواقع اليونيفيل مخابئ وكمائن له. إصرار الأمم المتحدة على إبقاء جنود اليونيفيل في خط النار غير مفهوم".

وينفي حزب الله اتهامات إسرائيل بمعاملة جنود حفظ السلام رهائن، ويقول إن إسرائيل تريد منهم المغادرة حتى لا يكونوا مراقبين للحملة الإسرائيلية عبر الحدود.

واستهدفت سلسلة من الهجمات مواقع وأفراد قوات حفظ السلام في الأيام الماضية. وحمَّلت اليونيفيل إسرائيل مسؤولية معظم تلك الهجمات، مما أثار استنكار الأمم المتحدة وعدد من الدول الأجنبية. وذكرت اليونيفيل أن 5 من عناصرها أصيبوا في 3 وقائع مختلفة منذ الخميس.

وكانت ميلوني تحدثت هاتفياً إلى نتنياهو الأحد، ونددت بالهجمات الإسرائيلية، وميلوني معروفة بأنها واحدة من أكثر المؤيدين لإسرائيل بين زعماء غرب أوروبا.

وتنشر إيطاليا ما يزيد على 1000 جندي ضمن قوة اليونيفيل التي يبلغ قوامها 10 آلاف، مما يجعلها واحدة من أكبر المساهمين بالعسكريين، كما نددت فرنسا وإسبانيا بالهجمات الإسرائيلية، ولكل منهما نحو 700 عسكري في القوة.

وقالت الحكومة الإيطالية في بيان "أكدت رئيسة الوزراء ميلوني مجدداً عدم قبول تعرض قوات اليونيفيل لهجوم من جانب الجيش الإسرائيلي".

وأضافت أن ميلوني دعت نتنياهو إلى "التنفيذ الكامل" لقرار الأمم المتحدة رقم 1701 بشأن لبنان، وشددت على ضرورة تهدئة الصراع في المنطقة.

فيما قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن إسرائيل تعتبر أنطونيو جوتيريش شخصاً غير مرغوب فيه لديها، بسبب ما وصفه بعدم تنديد الأمين العام للأمم المتحدة بالهجوم الصاروخي الإيراني والسلوك المعادي للسامية ولإسرائيل.

 

قوات حفظ السلام في مرمى النيران

يضع وجود اليونيفيل قوات حفظ السلام من 50 دولة في مرمى الأذى، وتشكلت القوة عام 1978 لمراقبة الوضع في جنوب لبنان. ومنذ ذلك الحين، تشهد المنطقة صراعات مستمرة، إذ اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان في عام 1982، واحتلته حتى عام 2000، ثم خاضت حرباً كبرى مع حزب الله استمرت خمسة أسابيع في 2006.

وأسقط الهجوم الإسرائيلي على حزب الله على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية أكبر عدد من الضحايا في لبنان منذ عقود، وأدى إلى نزوح 1.2 مليون لبناني وألحق ضربة غير مسبوقة بالجماعة من خلال اغتيال معظم قياداتها.

ويزعم مسؤولون إسرائيليون أن "اليونيفيل" فشلت في مهمتها المتمثلة في دعم تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي صدر بعد حرب 2006، ويدعو إلى أن تكون المنطقة الحدودية في جنوب لبنان خالية من الأسلحة أو القوات غير تلك التابعة للدولة اللبنانية.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" إن الوزير لويد أوستن عبر في اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي يوآف جالانت عن "قلقه البالغ" إزاء التقارير التي ذكرت أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على مواقع قوات حفظ السلام وحث إسرائيل على ضمان سلامتهم وكذلك سلامة الجيش اللبناني. والجيش اللبناني ليس طرفاً في الصراع الإسرائيلي مع حزب الله.